على فصاحته، وحسن وصفه ما أوصى به أحد أبنائه إذ قال:
"أي بني -إني أعظك لئلا تكون من الغافلين، ولا أعظك بأحسن من مصادفاتي، وما لاقيته في حياتي من حسنات، وسيئات"، فقد طلبت الرزق بجدي وسعيي لا عن فاقة، ولا إلزام ولكن كرهت العجز، وأنفقت من التقاعد، فقضيت سنين عديدة أتقلب في الخدمات، وأتفنن في أسباب المعاش، وصحبت الكثير من أهل زمانك مع اختلاف المقامات والاعتبارات، فاستخلصت من جميع الأخلاق خلقا إن رضيته عشت به ناعم البال طيب الخاطر، وإن أبيته كنت مثلي في الحظ والطالع والصفات.
خلق الإنسان ميالًا للتعاظم والتفاخر يزداد هذا الأمر بزيادة الجهل، ويقل بسطوة العلم، وسيف التهذيب، فإذ بليت بخدمة من لم يهذب صغيرا، فعانقه لتوافقه، وإياك أن تظهر علمك أمامه، وإن سئلت في أمر، فليكن جوابك بخشوع وخضوع، وإن كذبت فيه فاعترف بالخطأ ولا تجادل، وإن قويت حجتك، وإن خاطبك بما لا يعقل فاطرب، وتبسم واعجب من حدة الذهن ورقة المعنى وذم من يقول غير ذلك، وإن سمعت كذابا وكنت على يقين من كذبه، فكذب عيانك وخطئ حواسك وصدق ما يقول ... وإن علمت علما فانسبه إليه إن كان حسنا، وعنونه باسمك إن كان قبيحًا، وإذا غبنك في أجرتك، فأظهر له المدح ... وإذا افتخر فقل: أنت فوق ذلك، وإذا ادعى الفصاحة فعب كل متكلم دونه، وإن ادعى الكرم فذم حاتما، وإذا جبن فقل: هكذا تكون الحماسة، وإذا بخل فقل: هكذا يكون الاقتصاد، وإذا بغي فقل هكذا العدل، وإذا سفه فقل: اتقوا غيظ الحليم، ولا تلبس أمامه إلا ما يتفضل به عليك، ولا تزد في بيتك ما يدل على ثروتك، وألزم هذه الحال حتى يموت، أو يخليك من الخدمة، فاظهر ما شئت وافعل ما تريد.
وهذا هو الخلاف المناسب لمن يريد أن يكون محبوبا عند الأغنياء مألوفا