عاد "سعد" إلى المحاماة بعد خروجه من السجن، فكان الآية الناطقة بالكرامة، كما كان أبلغ الأمثال في قوة الحجة، ورصانة الجدل ورسوخ المادة، واتزان المنطق وانطلاق اللسان، وحسن الأداة وشدة العارضة، والعفة في القول ودقة الاستنباط وصحة الاستدال، وقد سأله "أحمد بليغ باشا" في لجنة الامتحان عن واجبات المحامي، فقال:"درس القضية جيدا والدفاع عن الحق، واحترام القضاء".
كان ذلك هدفه في المحاماة لم يقم عن الباطل مدافعا، ولم يقف للحق قصما، وما تكفل بقضية إلا وهو دارس متأهل ليدافع عن بينة، وما درس قضية فوجد فيها القضاة، أو وكلاء النيابة، أو الخصوم ثغرة ينفذون منها إليه، ومن عجيب أنه إذا لاحت له فرصة للصلح انتهزها، وشجع موكله على المضي فيها ورد له "مقدم الأتعاب" الذي كان يقيده في "باب الأمانات" حتى إذا توفرت أسباب الصلح رد المال للموكل، وقال: هذه أمانتك ردت إليك".
سما "سعد" بالمحاماة، وبلغ بها أقصى درجات العظمة والكمال بلاغة وقوة وبرهان، وأمانة عمل هي أسمى ما ينشده الشرفاء لهذه المهنة، والقائمين عليها وكان سعد تمثل في قضية الفرد قضية الأمة، وألهم أن لليوم ما بعده، فشرف في المسلكين، ووفى في القضيتين.
١ مع أنه لم يكن يشترط في مزاولة المحاماة إجازة عليه بل مجرد امتحان يعقد في المحكمة يسوع النجاح فيه الاشغال بالمحاماة، ترى سعدا قد جد في تعلم الفرنسية، وما زال يتعلم في فرنسا في كل عام ليكتمل في مواد القانون، حتى أحرز شهادة الحقوق "الليسانس" من إحدى كلياتها.