للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعد الكاتب:

نمت موهبة البيان في سعد وهو طالب في الأزهر، وشبت معه القدرة على الكتابة، وهو حدث يافع فشرع في مدارج شبابه يكتب مقالاته القيمة في صحف "البرهان والحق" و"مصر المحروسة"، وغيرها من صحف ذلك العهد، ولما اتصل بالإمام أعجب الإمام بأدبه ومواهبه، وشخصيته واختاره لتحرير "الوقائع"، كما قلنا فوجد سعد منها منبرا يدعو منه إلى الثورة، والاستقلال الذي ملك عليه مشاعره، وكانت له في الكتابة، وترقيتها آثار ملموسة، وربما جهل بعض الذين بهرتهم جوانب سعد السياسية أن له يدا في إصلاح الكتابة من أسبق الأيدي بالتحديد في الآداب العربية، فقد كتب في الوقائع طائفة من مقالاته الفذة، وأعاد البلاغ منذ سنتين نشرها، وإن الأسلوب الذي كتبت به تلك المقالات يقارب أسلوب العصر في العلم والأدب، ويخلو من عيوب ذلك العصر الذي كان التلفيق، والتكلف ديدن كتابه ومنشئيه، فكأن سعدا سبق الكتابة العصرية بجيل كامل، وكان طليعة التجديد من خمسين سنة، وليس هذا السبق على الآداب العربية بقليل١.

ويتسم أسلوب سعد بالصفاء والوضوح، وقوة الحجة وسطوع البرهان وتسلسل المنطق، والتحلي بآيات من كتاب الله وأدب نبيه، وهو أسلوب يجمع إلى إشراق بيانه غزارة العلم ودقة البحث، ولعل للأزهر يدًا في توجيه يراعه وتزويدها بما هو من خصائص أهله قوة في الحجة، ودقة في البحث وفيضا في البيان، ومما أعاد البلاغ نشره من مقالات سعد كلمة نشرت في ١٢ من ديسمبر سنة ١٨٨١ بعنوان في الشورى، والاستبداد نقتطف منه ما يلي:

"تكلمت بعض الجرائد في الشورى والاستبداد، وأشربت بعض جملها


١ عباس محمود العقاد في البلاغ الأسبوعي الصادر في ٢ سبتمبر سنة ١٩٢٧م.

<<  <  ج: ص:  >  >>