للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبارات في الاستبداد أوهم ظاهرها، وعمومها بعض الناس أن القصد منها مدح الاستبداد الذي عرفوا من آثاره ما يكرهون، ولقوا من جرائه ما لا يودون، فشدوا على محررها نكيرا وولوا عنه نفورًا، وقالوا: مدحه ظلما وزورا، وكانوا في ذلك من المخطئين.

وقد فرض على الأمة الإسلامية أن تقوم أمة أي طائفة وظيفتها لدعوة للخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظا للشريعة من أن يتجاوز حدودها المعتدون، وصونًا لأحكامها من أن يتعالى عليها ذوو الشهوات، فينتهكوا حرمتها، ويخلوا نظامها وتحرفهم عن العمل بها الأهواء إذا تركوا وشأنهم، ولم يأخذوا

على أيديهم في الاسترسال مع داعيات الشهوات، فلم يجعل الله الشريعة في يد شخص واحد يتصرف فيها كيف يشاء، بل فرض على العامة أن تستخلص منها قوما عارفين لجلب كل ما يؤيد جانب الحق، ويبعد كل ما من شأنه أن يحدث خللا من نظامه، وانحرافا في أوضاعه العادلة.

ولقد قلنا: إن الملوك والسلاطين داخلون تحت من يجب على تلك الطائفة إرشادهم، وذلك لتضافر الأحاديث الصحيحة، والأخبار الشريفة على وجوب نصيحة الأمراء قال صلى الله عليه وسلم: "إن الدين النصيحة"، ثلاث مرات قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسول ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وقال:

"إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويسخط لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، وأن تناصحوا من ولاة الله أمركم" الحديث.

وقال تعالى مخاطبا نبيه الذي لا ينطق عن الهوى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} ، قال ابن عباس: وقد علم الله أن ما به إليهم حاجة، ولكن أراد الله أن يستن به من بعده، وقال بعض المفسرين: إن الله تعالى لما علم أن العرب يثقل عليهم الاستبداد بالرأي، أمر نبيه بمشاورة أصحابه كيلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>