"محمد عبده" قدس الله روحه وطيب ثراه، وقد مر على وفاته ثلاثون حولا كاملة، ومن الوفاء بعد مضي هذه السنين، ونحن نتحدث عن الأزهر أن نجعل لذاكره المكان الأول في هذا الحفل، فهو مشرق النور، وباعث الإصلاح وعين الماء الصافية التي نلجأ إليها إذا اشتدت الظمأ، والدوحة المباركة التي نأوي إلى ظلها إذا قوي لفح الهجير.
الأزهر كما تعلمون أيها السادة هو البيئة التي يدرس فيها الدين الإسلامي الذي أوجد أمما من العدم، وخلق تحت لوائه مدنية فاضلة، وكان له هذا الأثر الضخم في الأرض، فهو يوحي بطبعه إلى شيوخه، وأبنائه واجبات إنسانية، ويشعرهم بعروض صورية، ومعنوية يعدون مقصرين آثمين أمام الله، وأمام الناس إذا هم تهاونوا في أدائها، وإنهم لا يستطيعون أداء الواجب لربهم ودينهم، ولمعهدهم وأنفسهم إلا إذا فهموا هذا الدين حق فهمه، وأجادوا معرفته لغته، وفهموا روح الاجتماع، واستعانوا بمعارف الماضين، ومعارف المحدثين فيما تمس الحاجة إليه مما هو متصل بالدين وأصوله وفروعه، وعرفوا بعض اللغات التي تمكنهم من الاتصال بآراء العلماء، والاستزادة من العلم، وتمكنهم من نشر الثقافة الإسلامية في البلاد التي لا تعرف اللغة العربية، هذا كله يحتاج إلى جهود تتوافر عليه، وإلى التساند التام بين العلماء والطلبة، والقوامين على التعليم، ويحتاج إلى العزم والتصميم على طي مراحل السير في هدوء، ونظام وجد وصدق نية، وكمال توجه إلى الله، وحب العلم لا يزيد عليه إلا حب الله وحب رسوله.
من الخير والحق أن نتدارك هذا، وأن يعني العلماء بدراسة القرآن الكريم والسنة والمطهرة دراسة عبرة وتقديم، لما فيه من هداية ودعوة إلى الوحدة، دراسة من شأنها أن تقوي الرابطة بين العبد وربه، وتجعل المؤمن رحب الصدر، هاشا باشا للحق، مستعدا لقبوله، عاطفا على إخوانه في الإنسانية كارها للبغضاء، والشحناء بين المسلمين.