للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وكان إذا خطب خطب بكله، بلسانه وبعقله، وبنخاعه وبعصبه، وبرأسه وبيديه وبرجليه أيضا، وله صياح يقد أصفق الحناجر، ثم تدلى عن المنبر بعد أربع ساعات كاملات في هذا البلاء، وهو أشد وأفتى من أكثر من سمعوه إن لم يكن أفتى ممن سمعوه جميعا١".

هذا إلى حضور بديهته، وقوة ذاكرته وصفاء ذهنه، وشدة أسره.

دفاعه:

كان "الهلباوي" حاذقا في دفاعه قويا جبارا لا يكاد يلحقه في براعته إلا أقل من القليل من أقرانه، وقد اجتمعت له أسباب الدفاع كلها، فقد نشأ في الأزهر، وكان أحد أدبائه القادرين على الجدل، والراسخين في المنطق الذين يقهرون بالحجة الغلابة والبرهان الناقد، لا يخفى عليه من ملابسات القضية شيء أو يخلطه بشيء آخر، وقد استمكن من مواد القانون، فصرفها في كل مقام واتكأ عليها في كل موطن، على قوة في الاستشهاد بها، وأعانته طلاقة لسانه، وغزارة بيانه وفصاحة عبارته، وحضور بديهته على اتصال القول، وفصاحة العرض والتصرف في المواقف بتفطن غريب لا يدع منفذا إليه.

كان في دفاعه قوة من قوى الطبيعة الغلابة، وأقوى ما تراه في المواقف الشاذة التي تعجز المتوسطين من المحامين، أرأيت إليه حين يدافع عن قاذف في حق الخديو، وهو مستشار للخديو، ثم أرأيت إليه حينما يلتمس "شفيق منصور" و"السورداني" معونته، وقد كان يناصبانه العداء؟

كان حاذقا في مثل هذه المواقف التي لم تألف غيره من المحامين.

سأله رئيس المحكمة: كم ساعة تكفيك؟ قال: "لا أستطيع أن أضبط زمام عبارتي ما لم أفرغ من التعبير عن أفكاري، فلا أعدك الآن بشيء".

وكان حريصًا على النزاهة في الدفاع لا يحاول الدفاع في قضية ما لم يجد لها من الحق حظا.


١ الشيخ عبد العزيز البشري في كتابه في "المرآة" ص٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>