حكى صديق عنه في دراسته قضية لم يقتنع فيها بعدل موكلته أن قال: إن من سوء حظ هذه السيدة أنها وكلتني، فأجابه؛ بل من حسن حظها، فقال: كيف؟ قال: لأنها ضمنت ألا تكون عليها.
ومن عجب أنه قد يتعرض للدفاع عن قضايا ذات بال، وبينه وبين الدفاع لحظات لدارسة القضية، ثم يقف من الدفاع موقف ذي الحجة الغلاب.
كان يوما على مائدة "البرنس حسين"، ثم استأذنه في الانصراف؛ لأنه مسافر للدفاع في قضية، فطلب إليه "البرنس" أن يحدثه فيها، فقال له: إنني لم أقرأها وسأقرأها في القطار، ثم مضت الأيام وراح المحامون الأهليون يطوفون بعرش السلطان ليهنئوه فقال لهم: ذاكروا قضاياكم ولا تقرأوها كالهلباوي في القطار، ويقول الهلباوي في ذلك: ليت "أفندينا" كان يعرف أنني قرأت هذه القضية في طريقي من كفر الدوار إلى قنا مرات ومرات.
وإنك ليهولك أن تسمعه حينما يقاطعه خصمه، إذ ذاك يتفجر غضبه وتقدح بالشرر عيناه، ويدوي صولته حتى يكاد يقد الآذان، ثم يرجع إلى الوراء بصدره، ويشمخ إلى السماء بهدامته، ويدق على المنضدة دقات عنيفة، ولخصمه الوبل والثبور.
كان يعمد إلى القضية فيكيفها وتملأ من دقائقها، فإذا انتهى من ذلك انقادت له، وأصبحت ملء خواطره وقبض بنانه.
وكان جذابا إلى حد غريب في دفاعه، فهو يضم السامعين إليه ضمار، وينفعلون معه انفعالا، وتنظر إلى القاضي المعجب فيخيل إليه أنه ليس في موقف الحكم في جانب المتهم.
وإلى جانب هذا كان حاضر البديهة سريع النكتة، عرض عليه رئيس المحكمة لطول إسهابه في الدفاع كوب ماء، فقال: أعطها للخصم الذي نشف ريقه.
تولى الهلباوي الدفاع في أخطر القضايا في العصر الحاضر، فكان فارس حلبتها ودافع عن المحاماة التي كان شرفها، وفخارها، وعمل على تكوين نقابة لها.