فقد كان يعهد إليهم بغير العمل في هذه الدواوين، على أن كتابة الدواوين بقيت محتكرة في أيدي الأقباط مدة طويلة كاد يكون عملهم فيها متوارثا، وهؤلاء دون المسلمين عربية وفصاحة، فأما المسلمون فقد لانت بكتاب الله ألسنتهم، وهذبت بالحديث النبوي والأدب العربي ملكاتهم، ووجدوا من الأزهر، والمدارس التي على غراره عونا على الفصاحة وسلامة اللغة، ومن ثم كان شيوع العنصر القبطي في بعض المصالح الحكومية، وقيامه على شئونها الكتابية إلى اليوم مما أقعدها على النهوض، وشل أقدامها عن مسايرة النهضة الأدبية الحثيثة الخطا كوزارة المالية، ومصلحتي البريد، والسكة الحديد التي لا تزال هذه الطائفة ذائعة في كثير من أعمالها.
وقد تنبهت الأفكار وفصحت الألسن، ونهض الأدب وجرت الأقلام في الصحف والمجلات بما يعجب، ويطرب واللغة الديوانية مثقلة بهذه القيود، لا تزال مشابهة لحالها في أوائل هذا العصر حتى قيض الله لها في عهد "إسماعيل" من ينقح لغتها وينقي عبارتها، ويسمو بأسلوبها، ويحاول جاهدًا أن يخلصها من ركاكتها وعيها، وهو المرحوم "عبد الله باشا فكري" إلا أن جهده تقاصر دون فسادها المستشري، ثم تهيأ للكتابة بعد من عوامل النهوض ما كفل لها التخلص شيئا، فشيئا من عيها وضعفها، فقد توفر المثقفون الذين أربوا على الأعمال الفنية التي كانت من قبل تستأثر بهم، وانخرط في سلك الدواوين منهم طائفة مهذبة القلم فصيحة العبارة، وكان لهم فضل يذكر في تحرير هذه الكتابة.
الأزهر ولغة الدواوين:
وكما أراد الله أن يكون أول تهذيب للغة الدواوين بيد أزهري نابه، وهو "عبد الله باشا فكري" أراد كذلك أن يتم ما بدأه، وينهج نهجه من هم إلى الأزهر نسبا، وفي أفقه مطلعا، فقد اتجه "سعد زغلول" إلى الإصلاح هذه الكتابة حين كان ناظرا للمعارف.