فعهد إلى الكاتب الفذ الشيخ "مصطفى لطفي المنفلوطي" بالإشراف على لغة الكتابة بنظارة المعارف حتى إذا ما أصبح ناظرًا للحقانية نقله معه لمثل هذه الغاية، فكان له أثر ملموس في نهوض الكتابة بهاتين النظارتين، وفي سبقهما غيرهما في هذه السبيل يضاف إلى الأثر البليغ الذي يحدثه إسناد الوظائف إلى القضاة، والمعلمين الذين لهم بالعلوم، والآداب، وأوثق الصلات١.
هذا إلى الأثر العظيم الذي أحدثه نفوذ "الشيخ محمد عبده" باعتباره مديرًا لإدارة المطبوعات، فقد كان من أحكامها أن جميع إدارات الحكومة، ومصالحها وكذلك لمحاكم مكفلة أن تعد للنشر في الصحيفة الرسمية تقريرات بأعمالها وقراراتها، وما شرعت في إنقاذه من مشروعات، وما اعتزمت إنقاذه في المستقبل، وكان من حق "الشيخ محمد عبده" بهذا الوصف أن ينقد لغة هذه القرارات، وصوغ المشروعات، وكل ما يرسل إلى الصحيفة الرسمية.
أحدث هذا النقد في نفوس الموظفين نوعا من اهتمامهم بلغتهم، وحاولوا تهذيب كتابتهم حتى اضطر كثير من الكتاب إلى تلقي دروس في اللغة العربية، وأنشئت لهذا الغرض مدارس ليلية يتعلم فيها الكتاب، ومحرروا الصحف، وبلغ من رعاية الإمام للغة، وحرصه على ترقية الكتابة أنه تطوع بإلغاء درس فيها، وقد بينا ذلك في موضعه.
وقد غلب على لغة الدواوين من أثر هذه العوامل الإغضاء على السجع، وهجر البديع والمحسنات اللفظية، وإيثار الإيجاز والقصد إلى الغرض دون الترادف التكرار.
أما ما كان في البدء والختام من رسوم، وتشبث ببراعة الاستهلال، فقد ذهب في مطاوي النسيان، ولم يعد يعول عليه في هذه الكتابة.