للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: كتابة التأليف

كانت لغة التأليف في صدر ذلك العصر في أحد درجات الضعف، والتخاذل عدا ما يجهد المؤلفون فيه من الالتواء والتعقيد، والإسراف في الإيجاز بما يعي القارئ في الفهم، ويحول بينه وبين المراد، والغريب أن يكون ذلك طابعهم في جميع ما يؤلفونه من الكتب حتى لا تجد فرقا في التعقيد، والغموض بين تأليفهم في علم الكلام، أو علم البلاغة، وما ذلك إلا لنبو البيان عن طبعهم، وعدم تأصله في ملكاتهم، فإن ظهر لك شيء من بلاغاتهم، فإنما هو من ثمرة الاجتهاد والتشمير، وشدة الجهد حتى إذا أرسلوا أقلامهم على السجية جاءت مسفة١، وواتتك عبارتهم عامية، أو من العامية على شرف، وذلك هو مؤرخ العصر "الجبرتي" ينهض بالشعر، والنثر الرائع أحيانا، وذلك إذا تكلف، فإذا مضت نفسه في غير هذه الحدود كان ركيك التاليف، مرذول الآراء عامي التعبير.

ولم يكونوا بمعزل عن السجع في كتابتهم، بل ورثوه من الماضي الزاخر به، ولم يعرضوا عنه إلا حيث تفتحت عيونهم على نهضة الغرب، ووافاهم من علمها ألوان من أدبها فنون، فكان من الحتم لمسايرة هذه النهضة العكوف على معجمات اللغة، واستخراج صيغها التي تؤدي إلى التعبير عن مقومات هذه النهضة، واستلزم ذلك أن تطبع الكتب الأدبية التي لم تحتفل بالسجع، والمحسنات بل عمدت إلى الفكرة، وصورت الرأي في سهولة، وحسن سبك وتمام ارتباط، فاضطر المؤلفون إلى تقليدهم، وهجر هذه الصناعات التي لم تعد ملائمة للعصر، وروحه كما تهيأ للأدب أمثال "السيد جمال الدين" والشيخ "محمد عبده"، ممن سلفوا هؤلاء الكتاب الصناع المتكلفين بألسنة حداد، فكان من آثار نقدهم أن تقلص ظل هذه الصناعة، وأن انطلق الكتاب يتوخون المعنى في يسر وسهولة، وليس أثر الصحف التي تقرأ بأسلوبها السهل المبين، والعناية التي تبذلها


١ المفصل في تاريخ الأدب العرب ج٢ ص٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>