العطار" "ومرعيا" يكتبان كتابة لا روح فيها، فيعكف على رسائلهما كل من عي بالكتابة وضاق بالتعبير.
وإذا كانت الكتابة الفنية تصورا للعواطف، وخوالج النفوس كما قلنا: فإن "محمد علي" كان منصرف العزم عن معالجة هذا النوع من الأدب فيما يعالجه من أسباب النهضة، إذ هو متوفر على ما يرى علاجه ضرورة، والنظر إليه من متبعات الحياة، ومن هنا كانت الكتابة الفنية في أوائل هذا العصر معدومة، أو على كثب من ذلك.
ثم جاء عهد "إسماعيل"، فبدأت الكتابة الفنية تنهض لما تيسر لها من عوامل الحياة، وقد كان بالشام كثير من الجاليات الأوروبية، والأمريكية الذين نشروا ثقافتهم بها، ووفد إلى مصر كثير من كتابهم وأدبائهم، وفريق من أدباء الشام الذين تأثروا بهم، فأنشئوا صحفا وأذاعوا أدبا، ونشروا فكرا واهتم كثير من باعثي النهضة في هذا العهد ببعث الكتب الأدبية، ونشر الآثار البيانية بالطبع والاستنساخ، ووجد المتأدبون وعشاق الأدب في قراءتها، وروايتها ما غذى العقول، وقوم الألسنة وقلبوا أبصارهم فيما خلفه أعلام البيان من شعر رائع، ونثر محكم وخطب قيمة، ومحاضرات وأمثال روائع، وحداهم ذلك إلى متابعة هذه الأساليب، والأخذ بأسباب هذه الفصاحات، وانقبضوا عن المحسنات وهجروا الصناعة وعمدوا إلى تصوير الفكرة، وكان من العوامل ذات الأثر المحسوس في هذه النهضة ما تيسر للمتعلمين من الاطلاع على ما ترجم من آداب الغرب، وثقافتهم وما جد من صيغ مساوقة للحياة الجديدة تؤدي بها المعاني المحدثة، وإنه وإن كان ما يخرجه العلم الحديث من مخترع لا يزال محتاجا إلى ألفاظ عربية تعبر
عنه، إلا أن المجمع اللغوي يبذل في سبيل ذلك أطيب الجهود ليخرج من ألفاظ العربية ما يؤدي المعنى الجديد.