للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن القوم عبثوا بهذا الكتاب، ولم يعثر على شيء مدون في هذا الشأن، فرجع إلى الشيوخ يروي عنهم إلى صكوك الكتبة، وما نقش على قبور الراحلين عساه أن يجد ما يعنيه في هذه السبيل، ومن أول القرن إلى السبعين وما بعده أمور شاهدها، ثم نسيها وذكرها.

وهكذا يتبين وجه الدقة والنقص في هذا التاريخ، ويستبين أنه ثقة فوق الظنون والأوهام.

وقد طبع هذا الكتاب سنة ١٢٩٧، ثم طبع بعد ذلك أكثر من مرة، "ويقال: إنه طبع طبعة قبل هذه صادرتها الحكومة لأن فيها طعنا في أعمال محمد علي باشا رأس الأسر الخديوية، ثم أصدرت الحكومة هذه الطبعة بعد حذف الطعن، وكل ما ظهر من الطبعات منقول عنها١".

والحق أنه كان مسرفا في هجومه على محمد علي باشا، بل إنه ليقسو في مهاجمته، ويتتبعه خطوة فخطوة، وربما كان ذلك ناشئا من صداقة والده لبعض المماليك المصريين، ولعل ذلك يظهر عند خروج الفرنسيين من مصر، فإنه يشايع الألفي بك، وينصره على محمد علي باشا.

هذا وقد سما الجبرتي بكتابه عن الغايات، وارتفع في رأيه فوق الريب إلا في قليل، فقد كتب تاريخه للعلم، ولم يقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير أو طاعة وزير أو أمير، ولم يداهن دولة بنفاق أو مدح، أو ذم مباين للأخلاق٢.

وربما حملته نشأته الدينية على أن يعف لسانه، فلا يطعن أو يجرح أو يذكر مثال الناس، وإذا ترجم لشخص عند وفاته، وذكر عيبا من عيوبه بادر بقوله: "ولكنه كان طيب السريرة، وفيه محبة الناس غفر الله له"، وقد يقول: "رحمه الله، وتجاوز عن سيئاته، اذكروا محاسن موتاكم".

وقد يتسع مجال القول لنقد كبير، أو تناوله ولكنه يمسك، ويقول: "يضيق


١ تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان ج٤ ص٢٨٤.
٢ عجايب الآثار ج١ ص٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>