ومما يذكر له بالفضل ما بذله من صادق الجهود في تلخيص الكتابة من ربقة السجع، والمحسنات، والزخرف، وكان أشد الناس بغضا للتهويل، والمبالغة ميالا إلى القصد والاعتدال في الكتابة، واضح الغرض، سهل العبارة، فصيح التعبير، مسلسل الفكرة، قوي الحجة، سليم المنطق.
وإننا لنجد في كتابته طرفا من السجع، ولكنه قليل ضئيل بالنسبة لما كتبه مما استرسل فيه، وأتى به طلقا مشرق الديباجة، أبلج الغرض مسايرًا لسجيته، وطبيعته التي لا تميل إلى السجع إلا أن وافاها عفوا دون طلب.
نماذج من كتابته:
كتب إلى كريمته "السيدة رابعة"، وقد انتقلت إلى منزل زوجها في بلد آخر، وكان يحبها حبا لم يطق معه توديعها.
عزيزتي رابعة، سلام عليك وعلى من تحبين.
وبعد:
فيعلم الله يا عزيزتي أنني ما سافرت لمنفعة أستجلبها، ولا لمضرة أتنكبها، ولكنني أشفقت أن أراك وأنت تبرحين بيتي إلى بيتك الجديد، وهذا لا يستغرب مع شيخوختي، وضعف عزيمتي، عن مقاومة التأثرات، ولقد أحسست اليوم عند خروجي بما عراك، ثم رأيته بعيني عندما قبلتك قبلة التوديع، ووجدت من نفسي هزيمة كبيرة أمام هذه الحالة، ولكنني عدت فآمنت بأن هذه سنة الدهر، وأدركت أن هذه الفرقة إنما هي فرقة الجسم، أما الصلة القلبية، والمودة الأبوية والشفقة والحنان، فكل هذا دائم لا يزول.
ولقد كنت أخفيت أمر سفري وجعلته لسبب، والحقيقة ما كاشفتك به، وهو خشية ذلك الموقف الخطير، والصدق يا عزيزتي هو أفضل الفضائل،