للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد، وقد أقام فيهما الشرنوبي راضينا جوار شيخه حيا وميتا.

هذا وعلى الرغم من شهرته العلمية، وتفوقه على أقرانه لم ينل شهادة العالمية، وسر ذلك أن هذه الشهادة، إنما كانت تمنح للمبرزين في العلم بغير امتحان المعول عليه في ذلك شهادة الأساتذة، وتصدى المقتدر من الناشئين للتدريس واستهتارة بالإجادة.. وقد أدرك الشرنوبي هذه السنة غير أنه فوجئ بسن قانون الامتحان، فامتنع منه، وقال: كيف أجلس في الامتحان بين يدي من هم أقل مني علما، بل ربما منحوني أقل من الدرجة الأولى، وفي ذلك من جرح كرامتي ما فيه؟

وكان ولده الأكبر الأستاذ محمد عبد المجيد الشرنوبي قد أغرى والده باعتزال الحياة في خلوة المسجد، هذه الحياة التي يؤثرها على الإقامة في مسجده الذي كن يملكه في بولاق، وأعرض عنه اثنتى عشرة عاما، ومن ثم اشترى الأستاذ محمد لوالده منزلا بشارع الشنواني، ثم آخر بشارع الدوداري، وانتقل إليهما بقية أسرة الشرنوبي بعد أن ظل الشيخ ملازمًا خلويته بمسجد العدوي إلى سنة ١٣٢٥هـ الموافقة لسنة ١٩٠٧م.

وقد كان الشرنوبي معروفا بالذكاء والجد، والمثابرة على تحصيل العلم، وطارت شهرته بالأدب والشعر حتى سعى صاحب المؤيد ليكون الشرنوبي شريكه في تحرير ملكية هذه الصحيفة الضخمة، ولكنه أبى، ولعل لصلة الشرنوبي بالخديو إذ ذاك أثرًا في إعراضه عن هذا العمل الذي يدر أخلاف الرزق، وتطير به شهرة القائم عليه.

وليس من شك في أن الشيخ كان على صلة وثيقة بربه مؤثرا العبادة، وجانب الله على الناس، وقد حدثنا نجله الأكبر الأستاذ محمد الشرنوبي، وكان مطيعا والديه بارا بهما أنه لما اشتدت العلة بأبيه ذهب إلى قبره الذي أعدله، وطلا جدارنه وكساه رونقا، وبهجة فلما عاد والده في مرض موته، قال له: حسنا ما فعلت يا محمد: أهكذا احتفلت بقبري.. ولقد ظل سليم الحواس.

<<  <  ج: ص:  >  >>