حاسة النقد الذوقي، ونشأت عند كثير منهم ملكة الشعر الغنائي، والنثر الرقيق الذي يشبه الشعر في لطف موسيقاه.
وكان ملحنا في طريقة أدائه حتى ليظهر طربه ويستخف تلامذته من موسيقى توقيعه، ويرى أن الأوزان الشعرية ترجع في توقيعها، ونغمتها إلى ضروب السير للرجالة والركبان والفرسان، ويجتهد في تمثيل ذلك بصوته وتوقيعه وحركته.
أثره في الأدب وتلامذته:
كان "المرصفي" يعقد درسه في الرواق العباسي، وقد حدثنا أحد تلامذته الخلصاء الأدباء١ أن حلقة درسه كانت مهرجانا يضم الأدباء والشعراء على اختلاف بيئاتهم وألوانهم، فلم تكن مقصورة على الأزهريين فحسب، بل كانت ندوة يؤمها عشاق الأدب جميعا، وكان يقيم بجهة باب الفتوح على مقربة من الأزهر، وبلغت الصلة بينه وبين تلامذته وعشاقه حدًّا غريبا فهم لا يقنعون بما انتفعوا به في دروسهم، ولكنهم يصحبونه إلى منزله فلا يزالون في حديث أدبي موصول، ودراسة طريقة ممتعة، ويشق عليهم أن يدعوا لأستاذهم فرصة ينفرد بها، والحق أن "المرصفي" كان خفيف الروح جذابًا"، يميل إلى الدعابة والمفاكهة، ويتبسط مع تلامذته فيزيل ما بينه وبينهم من الفوارق، ويشعرون بجو روحي خالص تمتزج فيه مشاعرهم بمشاعره وخواطرهم بخواطره.
وكان يهتز للسؤال الأدبي اهتزازا، ويخف له ويرتاح لموقعه من نفسه
١ هو العالم المحقق الأديب القد الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد عميد كلية اللغة العربية، وقد شرح مقامات البديع وعرضه على أستاذه المرصفي، فقرظه كما شرح بعد ديوان الحماسة، وديوان الشريف الرضي، وسيرة ابن هشام وشرح ديواني أبي نواس والبحتري، وهما في طريقهما إلى الظهور، وله مؤلفات قيمة في النحو والصرف وغيرهما.