للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه المعنى، فيختل المبنى"، كما رأى أن أيدي الرواة عبثت بجميع ما اختاره أبو تمام، فمنهم من ابتدأ بشعر قيس بن الحطيم الأنصاري، ومنهم من افتتحه بشعر قريط بن أنيف العنبري، وكثيرا ما يفرقون بين أشعار القبائل، ويذكرون الأواخر أثناء الأوائل -وربما فرقوا بين كلمتين قيلتا في حادثة واحدة لشاعر، وباعدوا بين أنساب العمائر، وأحساب العشائر.

لذلك رتبه "المرصفي" ترتيبًا آخر، فقسم أشعار الحماسة قسمين أولهما: الموضوعات الأدبية وثانيهما: شعر الوقائع الجاهلية والإسلامية، قدم الشعر الجاهلي على الإسلامي، والأموي على العباسي ملتزما إيراد القصيدة متى عثر عليها كاملة، منبها إلى ما وقع فيه أبو تمام، مفسرا المعنى مبينا المغزى، غير تابع لقوم مدوا أيديهم على ذلك الديوان بالكتابة، وظنوا أنهم فوقوا سهام الصواب، وقد أخطأوا غرض الإصابة.

ولغزارة مادته اللغوية وسعة أفقه، وفيض علمه كان كثير النقد والتعليق والتخطئ، والتصويب لكثير من كتب اللغة والأدب، وقد اطلعت في مكتبته على طرف مما يقتنيه من هذه الكتب، فوجدته قد طرز هوامشها، وحواشيها بغرر من العلم وفنون من النقد، كتبها بخطه الأنيق البديع الذي يضارع أروع الخطوط المحدثة.

ونسخته من لسان العرب قد زينت هوامشها بكثير من التصحيحات والنقد والمحاكمة خصوصا فيما نقله "ابن منظور"، عن "ابن بري" "والجوهري" إذ كان "لابن بري" شرح على "صحاح الجوهري" يتعقبه فيه، ويكثر من تخطيئه "وابن منظور" ينقل العبارتين، فيقف "المرصفي" موقف الحكم بينهما.

وقد نقل "المرصفي" بخطه الجميل كثيرا من كتب الأدب، ودواوين الشعر في مختلف العصور، ونسخ كثيرا من كتب اللغة العربية والبلاغة، والفقه وغيرها، وقد كان يكتب المتن بمداد ذي لون، والشرح بمداد من لون آخر والتقرير بخط يخالف في حجمه، كل ذلك في شكل مقبول ووضع طريف،

<<  <  ج: ص:  >  >>