ولم يكن "إسماعيل" ليجفو الأدباء أو ينأى بجانبه عن الشعراء، بل كان هاشا لهم بارا بهم، يفيض عليهم في غير عسر ولا تضييق، حتى لقد ذكروا أنه أعطى بطرس البستاني ألفا وخمسمائة جنيه معونة له على طبع دائرة المعارف، وأجرى على "السيد جمال الدين الأفغاني" عشرة جنيهات شهريا من مال الدولة تقديرًا لفضله، وعوض على "إبراهيم المويلحي" خسارته التي خسرها في التجارة١.
وبلغ من حب "إسماعيل" للشعراء خاصة أن اصطفى منهم شاعرين لخاصته هما الشاعران الأزهريان "الشيخ علي الليثي، والشيخ علي أبو النصر المنفلوطي، بل لقد وكل تربية أبنائه إلى العالم الشاعر الأديب "الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري".
وكان ذلك حاثا للشعراء على أن يمتدحوا "إسماعيل"، وأن ينظموا الشعر في الولاء له، حتى لم تخل صحيفة الوقائع، وهي الصحيفة الرسمية من شعر يمدح به في شتى المواسم، والأعياد والمناسبات.
على أن هذه العوامل كلها لم تكن كفيلة بأن تغير صفحة الشعر تغييرا تاما، بل لقد ظل متورطا في الصناعات اللفظية والمحسنات البديعة، ولم يزل الشعراء عاكفين على التاريخ في قصائدهم، وإن كانوا قد اتجهوا نحو الفكرة في الشعر وتوخوا المعنى شيئا ما، واتسعت أفكارهم، وخفت تناولهم الزخرف وتزيينهم الألفاظ والأساليب.
أما "توفيق باشا"، فقد منح الأدب عناية، وتشجيعا عظيمين وأجدى على الشعراء وكافأهم، بل دل على ولوع بالشعر وارتياح له، وقد حدث "عبد الله فكري باشا" أن "توفيقا" أمره بأن يجمع من الحكم والأمثال، وجوامع الكلم أبياتا تكون زينته في المسامرة، وعونه في المطارحة والمحاضرة،