اقترن عهد "توفيق" بالثورة العرابية التي كانت أثرا من آثار الشعور بالكرامة الوطنية، والنزوع إلى الحياة الكريمة، وكان الاحتلال الإنجليزي يدا امتدت إلى الحرية فسلبتها، وإلى العزة فجرحتها، وإذ ذاك صرخت الدماء، واشتعلت العزائم وهب الشعب المصري ينادي بالحرية، والحياة فطفق الأدباء والشعراء يعبرون عن نكبة الوطن بمختلف الأساليب، ويصورون حال الشعب بفنون من القول، ونزح كثير من المصريين إلى أوروبا لطلب العلم بها، والتحدث عن قضية مصر فيها، فنجم عن ذلك الاختلاط امتزاج في الفكر، والخيال كان مما ساعد على بلوغ هذه النهضة.
وكان لهذا الاحتلال السياسي أثره في نفوس الأدباء والشعراء، فصوروا هذه الكارثة السياسية، وحضوا على الجهاد والتحرر ما ساعفهم، والمجال وأصبحت السياسة غرضا جديدا من أغراض الشعر يتوخاه كل شاعر حسبما تسمح ملابساته وشئونه، والتفوا إلى ماضيهم الخالد ينشرون مجده، ويعرضون منه صفحات عساها تحفز الهمم لتصل الحاضر بالماضي.
وكان "للبارودي" أبلغ الأثر في توجيه النهضة الشعرية في هذا العصر فراح الشعراء يجرون على طريقته، ويترسمون سبيله ويتوخون محاكاته، فعكفوا على شعر الفحول من شعراء العرب في الجاهلية والإسلام، واستظهروا ما راق وطاب، فتهيأت لهم ملكات سليمة، وطباع طيعة "وجرى الشعر جزلا شريف اللفظ مشرق الديباجة متلاحم النسج، رصين القافية"١.
وبدأ الشعراء يهجرون الطلاء اللفظي، ويجافون الزخرف والمحسنات، لا يعملون فيها فكرا، ولا يبذلون لتحصيلها جهدا، إلا إن واتتهم عفوا ووفدت إليهم دون استكراه، وأصبح الشعراء على الإجمال يستنكفون من القيود التي كان سلفهم مقيدين بها من حيث الاستهلال، والتخلص