ما الذي كان لي بهن من الآ ... راب حتى إذ بان بان مزاري
وبتسليم أن ذلك قد كا ... ن فقل لي فداك عصية جاري
وهاتان كلمتا زيد وعمرو الشائعتان في أفواه الأزهريين، وفي كتبهم للتمثيل للفاعل والمفعول، وغيرهما يأبى كثير من شعراء الأزهر إلا أن يسلكهما في شعره، ويديرهما في قريضه، كما يقول "عبد الله فكري باشا":
ترقت حلالها عن سواك وراقها ... علاك فلم تجنح لزيد ولا عمرو
ويقول "السيد علي الدرويش":
خليلي فيها غنياني على الطلا ... ولا تذكر إلى "حال" زيد ولا عمرو
فهو يريد أن يمتع نفسه بالغناء ليستمع له على الطلا، ولا يود أن يحدث بشيء عن حال زيد وعمرو من الناس، فقد سئم الحديث عنهما، وأراد أن يهجره إلى هذا المتاع، وقد يكون المعنى أنه يريد أن حرمة الغناء والشراب دون الغيبة بالحديث عن زيد وعمرو، أو أراد أن يفر من الجد، والدرس والكلام عن زيد وعمرو في مسائل النحو إلى ما ذكره من متعة الغناء والطلا، وأيا ما كان فقد تأثر بهذين اللفظين اللذين يدوران في المسائل النحوية، فتسللا إلى شعره.
استخدامهم الشعر في مسائل العلم:
ولما كان العلم هو شغل العلماء الأول، ومناط حرصهم ومثار اهتمامهم والمالك قواهم وجهودهم، بذلوا في تقييده وسائل مختلفة، واتخذوا الشعر إحدى هذه الوسائل، فأخضعوه للعلم وأودعوه مسائله ومشاكله، وعبروا به عن شوارده، وضمنوه ألغازا وحوارا وقواعد، وعساه أن يكون بهذه المثابة نظما لا شعرا، إذ أنه مقفر من الخيال، خلو من الفن عار من الروعة والسحر، ومن هذا الوادي كل ما نظموه في علومهم المختلفة.