للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تهيأ له من مخالطة الكبراء والعظماء، وما كلف به من حب الحياة الاجتماعية وغشيانها في شتى مجاليها، ومختلف ميادينها وما اجتلاه في الممالك التي ارتحل إليها وجال في ربوعها من مشاهد وحضارات، وأخلاق وعادات، وما اطلع عليه من ألوان الحياة المتقاربة والمتباينة، فإن كل ذلك من مقومات الشعر، ومن أسباب بسيطه وتلوينه، على أن هذه المخالطات، وتلك الاتصالات التي وثق "العطار" أسبابها صرفت شعره عن التعقيد، والغموض والالتواء.

ويظهر أن العطاء يميل بطبعه إلى السلاسة، وينحرف بفطرته إلى الإشراق والسهولة، وإذا رجعت إلى أقدم ما عثر عليه من شعره لم تفتك منه هذه الصفات، وطالعتك منه صفحة نقية من الغموض والالتواء.

فمن أقدم شعره قصيدته التي رواها "الجبرتي"١ يمدح بها الشيخ "شامل أحمد بن رمضان" المتوفى سنة خمسة عشر ومائتين وألف من الهجرة، حينما ولى مشيخة رواق المغاربة إذ يقول:

انهض فقد ولت جيوش الظلام ... وأقبل الصبح سفير اللئام

وغنت الورق على أيكها ... تنبه الشرب لشرب المدام

والزهر أضحى في الربا باسما ... لما بكت بالطل عين الغمام

وللغصن قد ماس بأزهاره ... لما غدت كالدر في الانتظام

وعطر الروض مرور الصبا ... على الرياحين فأبرا السقام

كأنما الورد على غضنه ... تيجان إبريز على حسن هام

كأنما الغدران خلجان أغصـ ... ـان النقا والنهر مثل الحسام٢

كأن منظوم الزراجين بها ... قوت غدا من نظمه في انسجام٣


١ الجزء الثالث ص١١٣.
٢ النقا -القطعة من الرمل تنقاد محدود به.
٣ الزرجون، كقربوس شجر العنب أو قضبانها والخمرة، وماء المطر الصافي المستنقع في الصخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>