للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرب صديقك وابعد عن عدوك في ... سر إذا منعتك الجهر حاجات

الناس بحر فمن والى سباحته ... لا بد يعيا وفي البر السلامات

فوحشة الناس أنس أو يمازجهم ... فتى بضاعته في الناس مزجاة

إن عاتب الدهر غيري لا أعاتبه ... إذ موجب العتب في دهري سجيات

فأكثر الناس لم أفرح لعيشتهم ... في أي حال ولم أحزن إذا ماتوا

ولا أضر إذا غابوا وإن حضروا ... فلا أسر ولم أنظر إذا فاتوا

فللدراويش حالات مناقضة ... وللمجانين أوقات وساعات

وفي الحق أن هذه الأبيات لم تخل من المعاني الشعرية، ففيها دلالة على مذهب الشاعر في الحياة، وأنه لا يعبأ بكبار الناس، ولا يتهافت عليهم فما ذلك في رأيه إلا خيالات، هي أشبه عنده بخطك فوق الماء لا ثبات له ولا أثر، وأنه لا يحمل لأكثر الناس فرحا إذا عاضوا في أي حال، ولا يحزن عليهم إذا رحلوا عن الحياة، وإن غابوا فلا يضره غيابهم، وإن حضروا لا يسره حضورهم، وإن فاتوا لم يكلف نفسه نظرًا.

وهو يلتمس لنفسه العذر بأنه من "الدراويش"، "وفي ذلك تورية باسمه لطيفة"، وللدراويش حالات مناقضة، ويحسب نفسه في المجانين ليقوم جنونه عذرا عند صاحبه، وذلك عدا ما في الأبيات من حكم جرت على لسان مجرب خبر الحياة وعرف الناس، وأنه وإن لم يدع في هذه الأبيات ما جبل عليه من حب الزخرف، والطلاء كان غير مسرف، وذلك مما أبقى لها كثيرا من الجمال وأهلها لغير قليل من التقدير، وحسن الوزن.

ومن شعره الذي فيه شيء من الطرافة، وحسن السبك ما قاله من قصيدة يعتذر بها للشيخ "البديري":

بدر صفا بعد تكدير النوى فيه ... وجاد لي بعد أن زالت نوافيه

فروح الروح وأغنم نور بهجتها ... بمفرد قد سما عمن يحاكيه

قل "للبديري" واستعطف أصالته ... فإن عوني عليه في معاليه

<<  <  ج: ص:  >  >>