وهذه أبيات تمثل غزل العلماء الجاف، فليس فها من لوعة ولا صبابة، وإنما هي شعر جدب لا تهتز له نفس، ولا يمس عاطفتك أثر منه، عدا ما فيها من الجناس الذي حرص عليه، والاقتباس الذي سعى إليه وساقه في غير موضعه "سيخزيهم وينصرهم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنينا"، و"إن الله يجزي المحسنينا".
ولكن شعر الدرويش لا يخلو أحيانا من شعر مقبول، ونظم على طرف من الجمال والحسن، ويظفر بذلك كلما تحرر من قيود التكلف، وآثر السهولة والتطلق.
ومن ذلك قوله:
ألا محب يلاقيني أطارحه ... هوى حبيب منيع الدار نازحه
رأيت في الغصن شيئا من رشاقته ... فكدت من فرط أشواقي أصافحه
حتى يؤجج نار الحب في كبدي ... ظلما وقلبي مع هذا يسامحه
كأن شمس الضحى من طوقه شرقت ... لنا ومن فرعه عادت بوارحه
وإن جفاني لبعدي عن منازله ... واعتاض بي مائقا يهجوه مادحه
فطالما قصرت أوقاتنا معه ... في ظل بان يثير الوجد صادحه
ورب ماض من الأعراب ذي شرف ... تصافح الهام في الهيجا صفائحه
سابقته للمعاني ثم قدمني ... قلب إلى الذروة العليا مطامحه
وبات يسري إلى شأو ليدركه ... كالوعل يمشي إلى طود يناطحه
ومهمه نازح الأرجاء ذي محن ... كأنما لجج خضر مناوحه