وقد بلغ من شغف "إسماعيل" به أن أعد له، ولصاحبه الشيخ "علي أبو النصر المنفلوطي" قاعة خاصة بديوانه يجلس بها كأنه أحد رجال القصر الذين توكل إليهم أعمال، كما قلنا من قبل أن "توفيقا" كان ينزل بضيعته حبا لمنادمته، وإيثارًا لمفاكهته.
ولم يؤثر فيما تقل إلينا عن نوادر "الليثي"، ونكاته أنه فرط في كرامته، أو أغضى على هيبته على ما تتحيف به هذه الصناعات من أقدار، فقد ظل "عالما" من علماء الأزهر لم تجرح هذه الصناعة كبرياءه، ولم تتدل به إلى ما يتدلى إليه المضحكون والممالثون.
وقد خلف "الليثي" من نوادره وأدبه الضاحك الباسم ما فيه أبلغ المتع واللذاذات، وما هو في هذا الأدب الرقيق غرة وجمال، ولكن ذهب أشتانا لم يعن بجمعه، أو يخلد بإيثاره، وكان في مثله لوحواه كتاب ما تستروح به نفوس، وتبتهج به صدور، وتتبدد كآبة ويذهب ملال.
طرف من نوادره:
كان أحد الكبراء يفرغ بالمدية تفاحة ليشرب فيها، فانقصفت المدية خلال ذلك فرنا إلى "الليثي"، كأنما يطلب القول منه فإذا به يرتجل البيتين.
عزت على الندماء حتى أنهم ... تخذوا لها كاسا من التفاح
ولدي اتخاذ الكأس منه بمدية ... لان الحديد كرامة للراح
وهما آية على صفاء ذهنه وحضور بديهته، واستجابة الشعر له.
ودخل يوما معه الشيخ "علي أبو النصر المنفلوطي" على الخديو "إسماعيل"، وهو منقبض، وكان الرجلان طويلي القامة دميمي الخلقة فاحمي السواد، فلما أبصرهما "إسماعيل" أخذ يقلب فيهما الطرف، وينظر إلى طولهما وعرضهما فما أن رآه "الليثي" كذلك حتى شرع يقلب كفا على كف، فقال له "إسماعيل": ما بالك تفعل هذا؟ قال:"أفكر في أمر أقوله إذا صفح عنه مولاي مقدما" قال: "قد صفحت فقل" قال: "أراني أستغرب ما الذي أعجب به مولاي في