ولما أمر "إسماعيل" أن يكتب على حجرات القصر لافتات تشير إلى وظيفة من فيها أشار "المهردار"، أحد كبار رجال القصر بأن يكتب على حجرة الشعراء التي كان "الليثي بها": {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} ، وإذ سأل الليثي عمن أشار بذلك قيل له أنه "المهردار"، فأراد أن ينتقم لنفسه فانتهز فرصة جلوسه مع الخديو، وحضور المهردار، وقال للخديو: إن حادثة وقعت لي اليوم فقال: ما هي فقال: صغتها زجلا، قال: ما هو؟، قال:
لي طاحونه في البلد ... غلبت منها وعقلي دار
عقلت فيها الطور عصى ... علقت فيها المهردار
ومر به كبير من رجال القصر فحياة تحية الغربيين بخفض رأسه، فلم يرقه ذلك فهر رأسه كمن يقول: لا فشكا الأول للخديو زراية "الليثي" به، فلما سأله الخديو عما صنع معه، قال: يهز رأسه كأنه يقول: تناطحني فقلت له: لا.
شعره:
خلف "الليثي" ديوان شعر ضخم لدى صهره الأستاذ "محمد سعودي" الخبير، ولكنه أبى أن يطبعه لعلم أهله، وخاصته بأن الشاعر لعن من يقوم على طبعه، ولعل "الليثي" فعل ذلك تحرجا من نشر ما عسى أن يكون قد تورط فيه كشأن أكثر الشعراء من دعابة، أو غلو في مديح أو ذم أو نحو ذلك، فلقد كان في الرجل تقية وورع، فهو يخشى حسابه على ما نظم، ولو كانت هذه الثروة الشعرية لشاعر غيره ممن يغربهم المظهر، والشهرة لجاز أن يحرص على طبع شعره وتدوينه، والمفاخرة به.
ولو تهيأ لنا الاطلاع على هذا الديوان، والتفرس فيما حواه من شعر، وفيما بين دفتيه من قصائد نظمها في أغراض مختلفة، وألوان متنوعة لاستطعنا أن ندرس شعره دراسة بحث، وتقص ولكن احتجاب ديوانه ألقى على شعره ستارا كثيفا من الغموض والإبهام، وجعل الحكم عليه مقرونا بالعناء، والجهد