ألا تعتبر إذ كنت أجرد أمردا ... ودهم الليالي قد تركنت أشيبا
ضلال وغي أن يلج بك الهوى ... فتقتعد الأخطار للهو مركبا
إذا لم يكن شيب الفتى رادعا له ... فإن عناء أن تلوم وتعتبا
وإن أحق الناس باللوم من دعا ... سواه إلى طرق الرشاد ونكبا
تركت التصابي ضنة بمناقبي ... وصونا لعرض أن يشان ويثلبها
وما أنا من طعن الحسود بآمن ... على أنه ما قال إلا ليكذبا
أبت همتي أني أقارف سبة ... على مثلها لم ألف عما ولا أبا
جزى الله بالحسنى عداتي فإنهم ... إذا حاولوا نقصي أزيد تأدبا
ورب صديق قد تجنبت سخطه ... وآثرت ما يهوى خبيثا وطيبا
تحرش بالعدوان في وقت حاجتي ... إليه وطبع المرء قد كان أغلبا
وألب أعدائي بما وصلت له ... يداه ومنهم صار أنكى وأحربا
ومن ضرسته الحادثات بنابها ... رأى أهوان الأشياء صديقا تألبا
ومن خبر الأيام لم ير باقيا ... تمر به الأيام إلا تقلبا
سأضرب صفحا عن مساويه أنني ... مقبل لعثرات الصديق إذا كبا
وأدرك بالصبر الجميل مآربي ... فإن فات منها مأرب نلت مأربا
وأركب متن الرمح في طلب العلا ... إذا لم أجد إلا الأسنة مركبا
وأطرح كل الناس إن علقت يدي ... بحبل أمام الدين شرقا ومغربا
ملاذي وأستاذي وكهي ومعقلي ... ووالد روحي البر إن شاء أو أبى
"محمد الإنبابي" أبدى الورى يدا ... وأقومهم في نصرة الحق مذهبا
وأوضحهم عند الدراية حجة ... وأعذبهم عند الرواية مشربا
إلى أن يقول:
خدمتك بالمدح الذي أنت فوقه ... وما أبتغي إلا رضاك مطلبا
لعلك بالعفو الذي أنت أهله ... تمن علي من لم يكن لك مذنبا
وهب أنني قارفت ما زعم العدا ... فاعراضك الماضي كفاني مؤبا
حنانك إن الدهر صوب سهمه ... إلي فأصماني بما كان صوبا