تفعله رعاية أستاذه البار الكريم الطيب النفس النزيه المسلك، الخبير بأسلوب التربية وطرق التشجيع.
على أن الأستاذ البسيوني تحدث بهذا النبوغ الباكر إلى صاحب العرش، وأفهمه أن بين أثواب هذا الفتى الناشئ براعة نادرة، وذكاء فذا، وأنه خليق بالرعاية العالية ليكون زهرة يتضوع شذاها في مشارق الأرض، ومغاربها وكانت هذه الشهادة من أكبر الأسباب التي حفزت الخديو "توفيق" في سنة ١٨٨٧ إلى إيفاد شوقي إلى باريس ليتم دراسته على نفقته الخاصة، ولتغذية مواهبه بروائع الغرب وبدائعه، وقد تحققت به وفيه الآمال، فكانت هذه ثانية السعادات.
ومن هنا نرى أن الأزهر ممثلًا في شخص الأستاذ "البسيوني"، هو الذي كشف عن هذه القوة الكامنة في نفس شوقي، وهو الذي تهدى بشاعرية أشد أبنائه وفراسته إلى عبقريته أكبر الشعراء، فوجهها التوجيه الصالح، وتعهدها حتى نمت وأزهرت وأنبتت نباتا حسنا، وأثمرت ثمرًا لا يفنى ولا يبيد.
وجميل حقا أن يتفطن شيخ أزهري لم ير مفاتن الغرب، ولم يكتحل بمشاهده ومجاليه، إلى ما يجب لشوقي أن يطلع عليه من روائع باريس وحضارتها، ومباهجها ومفاتنها، فيشير على ولي الأمر بإرساله إليها ليتسع أفقه، ويخصب خياله ويمتلئ خاطره بأسباب القول ودواعي الشعر.
فلا عجب إذن أن يكون شوقي أمير الشعراء من أفق الأزهر، وثمرة من ثماره أو فكرة من أفكاره.
اعتراف شوقي:
ولشوقي حديث آخر بصدد الأزهر يشهد بحسن تقديره لهذا المعهد العظيم، وإجلاله لمهبط أساتذته، فقد أقيم حفل لتأبين المرحوم "عاطف