للنفس أنكى وأشد من تجاوز الحدود الشرعية وضوابطها المهمَّة المتَّبَعة.
ثمَّ كيف يُؤَمِّل في الإجابة ويَطمع في القبول مَن يتجاوز في دعائه ضوابطَ الشريعة ويتعدَّى حدودَها المقرَّرة، فالدعاءُ المعتدَى فيه لا يحبُّه الله ولا يرضاه، فكيف يؤمل صاحبُه أن يُستجاب منه ويُقبل.
والاعتداء في الدعاء يتناولُ أموراً عديدة متفاوتةً في الخطورة والبُعدِ عن الحقِّ والاعتدال، إلاَّ أنَّ أشدَّ الاعتداء خطراً وأعظمَه ضرراً على صاحبِه دعاءُ غير الله تعالى، فإنَّ ذلك أعظمُ العدوان وأقبحُ الذُّلِّ والهوان؛ إذ كيف يتوجَّه المخلوق بدعائه ورجائه وذُلِّه وخضوعه إلى مخلوق مثله لا يُعطي ولا يمنع، ولا يخفض ولا يرفع، ويَدَعُ مَن بيده أزمَّة الأمور ومقاليدُ السموات والأرض؛ ولهذا فإنَّ مَن يدعو غيرَ الله وهو يؤمِل أن يُستجاب له قد بلغ النهاية في الضلال ولم يحصل مِن ذلك إلاَّ على الخَيْبة والحِرمان والذُّلِّ والخُسران في الدنيا والآخرة {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ الله مَن لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} ١.
ومِن الاعتداء في الدعاء سؤالُ الله عزَّ وجلَّ ما لا يجوز أن يُسأَلَه من المعونة على فعلِ المُحرَّمات وارتكاب الذنوب وغشيان المعاصي، كأن يسأل الله أن يعينه على سفر يريد به الإثمَ والباطلَ، أو أن يُيسِّرَ له طريقاً للفاحشة والعدوان.