للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا قال الله تعالى: {فَابْتَغُوا عِندَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} ١ " فالعبد لا بدَّ له من رزقٍ، وهو محتاجٌ إلى ذلك، فإذا طلب رزقَه من الله صار عبداً لله، فقيراً له، وإذا طلبه من مخلوق صار عبداً لذلك المخلوق فقيراً له "٢.

إنَّ فقرَ المخلوق واحتياجَه لربِّه أمرٌ ذاتيٌّ له، لا وجود له بدونه، لكنَّ المخلوقين يتفاوتون في إدراك ذلك الافتقار أو العزوب عنه، والعبد فقيرٌ إلى الله من جهتين، من جهة العبادة، ومن جهة الاستعانة كما قال الله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فالعبد يفتقر إلى الله من جهة أنَّه معبودُه الذي يحبُّه حبَّ إجلال وتعظيم، وقلبُه لا يصلح ولا يفلح، ولا يُسرُّ ولا يلتذُّ، ولا يطيب ولا يسكن، ولا يطمئن إلاَّ بعبادة ربِّه والإنابة إليه، ولو حصل له كلُّ ما يلتذُّ به من المخلوقات لَم يطمئن ولم يسكن، إذ فيه فقرٌ ذاتي إلى ربِّه من حيث هو معبودُه ومحبوبُه ومطلوبُه، وبهذا يحصل له الفرحُ والسرورُ واللذَّةُ والنِّعمةُ والسكونُ والطمأنينة، والعبد يفتقر إلى الله من جهة استعانته به للاستسلام لأمره، والانقياد لحكمه، والخضوع لشرعِه؛ إذ لا يقدر على تحصيل شيء من ذلك والقيام به إلاَّ إذا أعانه الله "٣.

وها هنا قاعدةٌ مهمةٌ نبّه عليها أهلُ العلم، وهي أنَّ كلَّ حيٍّ سوى الله،


١ سورة العنكبوت، الآية: (١٧) .
٢ العبودية لابن تيمية (ص:٢٢) .
٣ انظر: العبودية لابن تيمية (ص:٢٩) ، ومجموع الفتاوى له (١٤/٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>