للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انكسر قلبُه وذلَّت جوارحُه وخشع صوتُه "١، قال الله تبارك وتعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} ، فأمر سبحانه بدعائه بتضرُّع وخفية، وحذَّر في هذا السياق من الاعتداء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومِن العدوان أن يدعوه غير متضرِّع، بل دعاءُ هذا كالمستغني المدلي على ربِّه، وهذا من أعظم الاعتداء لمنافاته لدعاء الذليل، فمَن لَم يسأل مسألة مسكين متضرِّع خائف فهو مُعتد "٢.

وقد سبق الكلامُ على الاعتداء في الدعاء وأنواعه، وأنَّ كلَّ تجاوز لما حدَّته الشريعة في ذلك فهو اعتداء.

ومِن آداب الدعاء الإلحاحُ على الله وكثرةُ سؤاله وعدمُ السآمة والملل " والله يحبُّ الملحٍّين في الدعاء، ولهذا تجد كثيراً من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم فيها من بسط الألفاظ وذكر كلِّ معنى بصريح لفظه، دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه ما يشهد لذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه: " اللَّهمَّ اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخرتُ وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به منِّي، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر لا إله إلاَّ أنت "٣، ومعلومٌ أنَّه لو قيل: اغفر لي كلَّ ما صنعت كان أوجز، ولكن لفظ الحديث في مقام الدعاء والتضرُّع وإظهار العبودية والافتقار باستحضار الأنواع التي يتوب العبدُ منها تفصيلاً أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في


١ مجموع الفتاوى (١٥/١٦) .
٢ الفتاوى (١٥/٢٣) .
٣ صحيح مسلم (رقم:٧٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>