للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنتَ أعلم به منِّي، أنتَ المقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلاَّ أنت " ١.

ومنها، وهو أتَمُّها وأكملُها ما ثبت في صحيح البخاري عن شدَّاد ابن أوس رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " سيِّدُ الاستغفار أن يقول العبدُ: اللَّهمَّ أنت ربِّي لا إله إلاَّ أنت، خلقتني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمَتِك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنَّه لا يغفرُ الذنوبَ إلاَّ أنتَ "٢.

فهذا الحديث لَمَّا كان جامعاً لمعاني التوبة، مشتملاً على حقائقِ الإيمان، مُتضمِّناً لمحضِ العبودية، وتمام الذُّلِّ والافتقار فاق سائرَ صِيَغِ الاستغفار في الفضيلة وارتفع عليها.

قال ابن القيم رحمه الله: " فتضمَّن هذا الاستغفار الاعترافَ من العبد بربوبيَّة الله وإلهيَّته وتوحيده، والاعتراف بأنَّه خالقُه، العالمُ به؛ إذ أنشأه نشأةً تستلزمُ عجزَه عن أداء حقِّه وتقصيره فيه، والاعتراف بأنَّه عبدُه الذي ناصيتُه بيده وفي قبضتِه، لا مهربَ له منه، ولا ولِيَّ له سواه، ثمَّ التزامُ الدخول تحت عهده ـ وهو أمره ونهيه ـ الذي عَهدَه إليه على لسان رسوله، وأنَّ ذلك بحسب استطاعتي، لا بحسب أداء حقِّك، فإنَّه غير مقدور للبشر، وإنَّما هو جهد المقلِّ، وقدر الطاقة، ومع ذلك فأنا مصدِّقٌ بوعدك الذي وعدته لأهل طاعتك بالثواب، ولأهلِ معصيتك بالعقاب، فأنا مقيمٌ على عهدِك مُصدِّقٌ بوعدِك، ثمَّ أفزع إلى الاستعاذة


١ صحيح مسلم (رقم:٧٧١) .
٢ صحيح البخاري (رقم:٦٣٠٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>