للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإبراهيمُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا أَفْحَمَ قومَه وبيَّن لهم بالحُجَج القاطعة والبراهين الساطعة أنَّ المعبودَ بحقٍّ هو الله، وأنَّ ما يعبدونه من دونه إنَّما هي أوثانٌ لا تَملك لعابديها جلبَ نفع ولا دفعَ ضر، {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} ١، فلمَّا أُفحم القوم ولم يكن لديهم أيُّ حجة يقاومونه بها لَجأوا إلى استعمال القوة و {قََالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} ٢، وقد دلَّت كلمتُهم هذه على إفلاسهم من الحُجج والبراهين، وعلى شدَّة سفههم وحقارة عقولهم، إذ كيف يعبدون من أقرُّوا أنَّه يحتاج إلى نصرهم، ثم إنَّهم أجَجُّوا ناراً عظيمة وأَلْقَوا فيها نبيَّ الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام قاصدين قتلَه بأشنع القتلات، فقال عليه السلام حين ألقي في النار: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، فانتصر الله لخليله، وقال للنار: {كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} ٣، فكانت كذلك برداً وسلاماً عليه لَم ينله فيها أذى، ولَم يُصبه فيها مكروه.

ومحمد صلى الله عليه وسلم قالها حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} ٤، وذلك بعد ما كان من أمر أُحُدٍ ما كان، بلغ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه أنَّ أبا سفيان ومَن معه من المشركين قد أجمعوا الكرَّة عليهم، فخرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ومعه جَمعٌ من أصحابه حتى انتهى إلى حمراء الأس وهي تَبعُدُ عن المدينة قدر ثلاثة أميال فألقَى اللهُ الرُّعبَ في قلب أبي سفيان حين بلغه الخبَر،


١ سورة: الأنبياء، الآيتان (٦٦ ـ ٦٧) .
٢ سورة: الأنبياء، الآية (٦٨) .
٣ سورة: الأنبياء، الآية (٦٩) .
٤ سورة: آل عمران، الآية (١٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>