للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ صِحَّةِ مُعْتَقَدِه، فقالَ: (قَدْ تَعَجَّبْتُ مِنْ حَاليِ مِنَ الأَقْرَبِينَ والأَبْعَدِينَ، فَإنيِّ وَجَدْتُ بالآفَاقِ التي قَصَدْتُهَا أَكْثرَ مَنْ لَقِيْتُهُ بِهَا -مُوَافِقًا كانَ أَو مُخالِفًا- دَعَانيِ إلى مُسَاعَدَتهِ عَلَى مَا يَقُوْلُهُ، وتَصْدِيقِ قَوْلِهِ، والشَّهَادَةِ لَهُ في فِعْلِهِ علَى قَبُولٍ ورِضًى، فإنْ كُنْتُ صَدَّقْتُهُ سَمَّانيِ مُوَافِقًا، وإنْ وَقَفْتُ في حَرْفٍ مِنْ قَوْلهِ، أَو شَيءٍ مِنْ فِعْلِهِ، سَمَّانِي مُخالِفًا، وإنْ ذَكَرْتُ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا أنَّ الكِتَابَ والسُّنَّةَ بِخِلَافِ ذَلِكَ سَمَّانيِ خَارِجيًّا (١)، وإنْ رَوَيْتُ حَدِيثًا في التَّوْحِيدِ سَمَّاني مُشَبِّهًا،


= ونحو ذلك، وأما إذا قلت: سمع، وبصر، ويد، ووجه، واستواء لا يماثل شيئا من صفات المخلوقين فليس فيه تشبيه، بل هو إثبات ذات ليست كالذوات، من غير تشبيه، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا شك أن هذا هو المذهب الحق الموافق للكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهناك نصٌّ وقفتُ عليه للإمام المفسر المحدِّث الفقيه أبي محمَّد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة (٥١٦) أنقله باختصار وإن طالت هذه التعليقة لأهميتها، فقد قال رحمه الله في كتابه البديع شرح السنة ١/ ١٦٨ - ١٧٠ وهو يشرح حديث النوّاسِ بن سَمْعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ قَلْبٍ إلَّا وهو بينَ إِصبَعَينِ مِنْ أصَابِع رَبِّ العَالمِين ... الحديث)، قالَ ما نَصُّه: (والإصْبَعُ المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتابُ أو السنةُ من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنَّفْسِ، والوَجْه، والعين، واليد، والرِّجل، والإتيان، والمجيء، والنُّزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك، والفرح)، ثم ذكرَ بعض الآيات والأحاديث الداَّلة على هذه الصفات، ثم قال: (فهذه ونَظَائِرُها صفاتٌ لله تعالى، وردَ بها السمعُ يَجِب الإيمان بها، وإمرارُها على ظاهرها، مُعْرِضا فيها عن التأويل، مُجتَنبا عن التشبيه، معتقدا أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيٌ من صفاته صفات الخلق، كما لا تُشْبِه ذاتُه ذوات الخلق، قال الله سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وعلى هذا مضى سَلَفُ الأُمَّة، وعُلَماءُ السنَّة، تَلَقَّوْها جَميعا بالإيمان والَقبَوِل، وتَجنَّبُوا فيهَا عن التَّمْثِيل والتَّأويل، ووكَلُوا العلم فيَها إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ...) إلى آخر كلامه وهو نَفْيس جدَّا رحمه الله تعالى وغفر لنا وله.
(١) الخوارج فرقة ظهرت في أثناء معركة صفين، ورفضوا التحكيم، وكفروا من قبل حكمه، ثم تطور فكرها ببعض المبادئ من أهمها: أن مرتكب الكبيرة كافر، وأن كل من خالفهم فهو حلال الدم مستباح الأموال والأعراض، وقالوا بخلق القرآن، وأنه ليس قديما، وقد افترق الخوارج إلى فرق كثيرة، من أشهرها الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق، والنجدات أتباع نجدة بن عامر الحنفى، والإباضيّة =

<<  <  ج: ص:  >  >>