للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل في بيان معنى البدعة]

جملة الأبواب المتقدمة مع ما كان في الحُكم أو"تحقيق المناط" - وممارستهم بيان - تثمر العلم بأن "البدعة" عندهم ما أضيف إلى المطلوب شرعا وليس منه، وأن ضابط كونه منه هو العمل العتيق. وهذا تعريف يجمع كل المحدثات في الاعتقاد والقربات والعادات. ففي الاعتقاد هو ما توهم صاحبه طلب الشرع اعتقاده. وفي القربات ما زعم أن الشرع طلب السلوك عليه. وفي العادات ما ظُنَّ أنه من المكارم أو من الحلال الطيب وليس هو في الدين كذلك.

والتعبد والتدين عندهم هو الامتثال لأمر الرب تعالى، أي أن يعمل العبد العمل على أن الله أذن فيه كذلك. فإذا صلى أو ذكر ربه .. فهو عند نفسه مطيع ممتثل فهذا تعبد، كذلك إذا أخذ بمباح وفي نفسه أنه في دين الله مباح فهو امتثال وتعبد لأنه تقيد بالمباح في موضعه المأذون. وسيأتي في فصل العادات من بيان وجه ذلك ما يشفي إن شاء الله تعالى.

والذي يتعجل النظر فيه ابتداء هو القربات ووسائلها التي كثر فيها الخلاف إلا ممن عصم الرحمن بمنه، ثم أمور العادات تباعا.

- فرق: كانت العرب تستعمل لفظ البدعة في "الدين" إذ كان لها دين وعبادات واستحسان فيها، وتفرق بين البدعة والمعصية .. وكانت تستعمله في المذموم والمحمود، إذا أطلقت اللفظ إطلاقا انصرف للذم، فتستغني بالوصف عن ذكر الحكم، فتقول: "هذا بدعة " تُحذر من حدث مزخرَف غَرور في عباداتها أو عاداتها، فيدل اللفظ على الوصف والحكم. وإذا أرادوا مدحا قيدوه بما يدل على الاستحسان في السياق، فيدل لفظ البدعة على مجرد الوصف (الحدوث) من غير تناول للحكم. ثم استعمله الشرع في المذموم فقط في كل ما نسب إلى الدين وليس عليه أمرنا. لذلك واظب النبي على الإطلاق في مساق الذم.

فبين الاستعمالين عموم وخصوص، والفرق بينهما أن علة الذم عند العرب ليست مطلق الابتداع ولكن المخالفة لما عليه جماعتهم. وعلة الذم شرعا هي مطلق الابتداع الذي يلزم منه المخالفة، لأن الشرع اكتمل ولم يُحوج الناس إلى نظر في وجوه تدينهم، فمن زاد بدعة فقد انتقص سنة .. والمعنى الشرعي هو في ملاحظة

<<  <   >  >>