للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تمهيد]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد، فقد استقر في الشريعة الكاملة تحريم البدع المحدثات، وهو معنى متواتر يورث القطع تواتُرُه بأنه أحد القواعد المحكمات، التي لا يجوز معارضتها بآحاد من الآثار المتشابهات. لذلك واظب النبي على التحذير منها في المحافل العامرة، ولم يكتف - في بيان حكمها - بوَصَاة عابرة، ككثير من الأحكام الشرعية السائرة. وطريقة التشريع سنة تحتها كنوز وفوائد، تدل الناظر على مراتب الأحكام والأدلة والمقاصد. وملاحظتها مما انفرد بالسبق فيه أصحاب النبي عمن دونهم، وليس الخبر كالمعاينة.

ومحال بعد هذا التحذير المستمر أن يموت النبي ولمَّا يبين لهم معنى البدعة التي يُحَذّرون، وأن ينصرم قرنهم ولمَّا يتبين لهم حدود ما يتقون!

بل والله ما مات النبي حتى تركهم على الواضحة والحق المبين، فقاموا بحق الأمانة بعده حتى أدوها إلى التابعين.

وإن حقا على الخائض في هذا الشأن أن يجمع كلام النبي وأصحابه والأتباع، حتى يقف على معنى البدعة، ويستخرج القانون الذي كانوا يقضون به في التبديع والإتباع.

وقد وهل كثير من الكاتبين في القضية، بسبب الغفلة عن هذه المنهجية، والتقصير في تتبع فتاوى الصحابة في الباب، فلم ينتظم لهم القانون المحَكّم عند الأصحاب، واستحسنوا قاعدة "البدعة الحسنة"، فغلطوا في التصور وفي تحقيق المناط، وهذه جمل من المآخذ عليهم خلا ما تقدمت الإشارة إليه من الأغلاط:

١ - لم يضعوا ضابطا عمليا دقيقا يفرق بين البدعة المنكرة والبدعة الحسنة عندهم، لذلك اضطربت أحكامهم. وقد مثلوا للبدع المنكرة بأمثلة كلها تدخل

<<  <   >  >>