للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خفي على من روي له، أو أنه اجتهاد أخطأ فيه كسائر المسائل التي يختلف فيها الأولون، أو أنه مُعَلٌّ من جهة اللفظ أو السند .. والله أعلم (١).

فصل في التنبيه على جريان المتشابهات في القَدَر كجريانها في الشرع

قال الرب الحكيم (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) [آل عمران ٧] فأخبر سبحانه أنه جعل في القرآن متشابهات، وأن ذلك من حكمته ليمتحن العباد. وهي في السورة تمهيد لخبر عيسى وهو متشابه في القدر، فخَلقُه من المتشابه القدري الذي هلك فيه الضالون حتى التمسوا له المتشابه من الكتاب. (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) الآية، فهم في قلوبهم زيغ وانحراف عن الهدى ثابت قبل الاستدلال عياذا بالله! نظروا في الأدلة لينتصروا لما هم عليه من الهوى. فتتبعوا المتشابهات ابتغاء الفتنة وهي البدعة كما في قول ابن مسعود " كيف أنتم إذا لبستكم فتنة " وقوله "إن ما في هذا الكتاب بدعة وفتنة وضلالة " وقد تقدم، والبدعة فتنة للقلب لأنها تغر وتضل عن خير الهدى.

وهذا كقوله سبحانه (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم) [الحج ٥٢] فبين أنه سبحانه أذن إذنا كونيا للشيطان سواء من الإنس أو الجن أن ينفث الوساوس عند تمني النبي أي تلاوته وتبليغه دين الله .. فحذف الملقى من الشيطان لدلالة السياق عليه، وكل إناء بالذي فيه ينضح. فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته فتبين للناس معانيها. وفي قوله (ثم يحكم) دلالة على أن البيان والإحكام قد يتأخر للامتحان، والحرف ثم للتراخي. وبين أن ذلك كله بعلمه وحكمته والله عليم حكيم (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد. وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به


(١) - راجع المسألة الأولى من مباحث العموم من الموافقات.

<<  <   >  >>