للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) [البقرة ١٨١]. وهذا معنى لا أحسب طلب الدلالة عليه إلا تكلفا، والله أعلم.

[ب- قصد الشرع إلى حصول القرب للعبد من الله تعالى.]

فنهى عن البدع لأنها لا تقرب إلى الله، وأمر بالسنة لأنها السبيل إليه سبحانه. وبين الابتداع والابتعاد تقارب في المعنى واللفظ، فلا يكون الابتعاد من الله قربة إليه. وما أقرب الشبه - في الاشتقاق الأصغر - بين "بَدَعَ" و"عَبَدَ" و"بَعُدَ"، كذلك البدع بُعْدٌ وَلَغوٌ واتباع سراب .. قال النبي : إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت اه [خ ٩٣٤/ م ٨٥١] فألغى عملا مشروعا لما وضع في غير مظنته، كذلك كل عبادة لم تقع الموقع المأذون فيه كانت لغوا، وإن ظن الناس أن فيها مصلحة، كما ظن من قال لصاحبه أنصت مصلحة النهي عن المنكر وأنه عمل لصالح الخطبة، فلم يحَصل شيئا.

لذلك لم يكن المتعبد ببدعة عابدا حقيقة، لأن العبادة هي الخضوع لله وامتثال أمره، والبدعة غير مأمور بها، فالمتعبد بها غير مطيع فهو غير عابد. ولا نقول هو عاص لأن العاصي على علم خالف، ولكن أصدق وصف أنه ضال، أراد أن يطيع فعمل بشيء غير مطلوب .. فلا يمكن أن تكون البدعة في الحقيقة عبادة ..

والنكتة هنا أن البدع ليست في القدر - أي في الواقع - سببا للتقوى وتزكية النفوس كما قال نبي الله : إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام [صحيح رواه ابن حبان ١٣٩١ وغيره]. ومن أسماء الله "المؤمن" وهو الذي يصدق الشرع بالواقع والقدر، فإذا حرم شيئا شرعا فقد جعل فيه الضرر قدرا، كما إذا أذِن في الشيء شرعا رفع ضرره قدرا بل يجعل فيه المصلحة. والشرع والقدر أمر واحد من الله، قال تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) [الروم ٢٩] فالدين الذي هو شرع الله هو الفطرة التي هي خلق الله.

ولما اختلج في صدور الذين لا يعلمون نهي النبي عن أمور لِما رأوا فيها من مصلحة أظهر الله لهم آياته كما أخبر سبحانه (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) [فصلت ٥٣] كما عاينوا أن الكحول الذي كانوا يستشفون به

<<  <   >  >>