للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل في وجه إطلاقهم اسم البدعة على العمل الثابت في السنة]

بيانه من وجهين عام وخاص:

أما العام فقد تقرر أن أصلهم المطرد في الفرق بين البدعة والسنة هو العمل، فما أصله العمل سنة وما أصله الاستنباط بدعة. لكن بقي هنا تفصيل يجري على طريقة بعض أهل العلم:

وهو أن العمل في زمن النبي باعتبار المداومة والترك نوعان:

*- عمل مطرد على الدوام مثل الوتر كان النبي وأصحابه يداومون عليه الدهرَ. فهذا لا شك في كونه سنة، وأنه لا يسوغ تسميته بدعة.

*- وعمل لم يقع إلا أحيانا مثل صلاة الضحى والجماعة في التراويح، إذ كلاهما عمل لم يواظب عليه النبي ولا أصحابه زمن الوحي. فالمواظبة على هذا النوع سنة من جهة، محدث من جهة أخرى إذا تُوُسِّع في اللفظ. فمن حيث العمل سنة، ومن حيث الترك أحيانا بدعة لأن البدعة فعل ما تُرِك. هذا النوع هو الذي ترخص ناس من أهل العلم في تسميته بدعة - جريا على طريقة العرب الأولى - يريدون الوصف لا الحكم في قولهم "نعمت البدعة"، فالحكم دل عليه الفعل الجامد "نعمت" ولفظ "بدعة" إنما دل على الوصف.

لكن لا يخفاك أن هذه الفتاوى حوادث أعيان لا عموم لها في كل الأحوال لأن الفتاوى أفعال لا أقوال، والفعل لا عموم له، وإنما تحدثوا عن عمل خاص، فلا يعم إلا بقياس إن قلنا به، والقياس المحتمل إجراؤه هنا هو قياس الشبه لا العلة، لأن القربات لا يجري فيها التعليل أي بالمعنى المناسب. فيقاس عليها ما شابهها وهو العمل الدائر بين الفعل والانقطاع في إمكان الوصف بنعم البدعة.

لكن لا يخلو هذا الترك من أحد وجهين:

الأول: إما أن يُترك ويُنَبَّه على مانع من المواظبة مثل ما تقدم في التراويح، ومنه قول عائشة في الضحى: وإن كان رسول الله ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم اه فبينت أنه من هذا النوع، وقد كان أبو

<<  <   >  >>