للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصلية. فمتى فصلت الوسيلة عن مقصدها وجعلت سنة دائمة صارت غاية، فتنقلب إذاً بدعة.

ثم كثير مما استحسنه المخالف وقال: هو وسيلة إلى عبادة، يصح الاعتراض عليه بأنه وسيلة إلى الابتداع وفتح بابه فيمنع، ويقال: للوسائل أحكام المقاصد. وقد عرفنا أن الأولين كانوا يلاحظون المآل في كراهة الأعمال، كما تقدم. فكل عمل خيف من إفضائه إلى بدعة فهو مذموم. وهذا يدل على أنهم كانوا يرون الذم في التعبد أشد من الاستحباب، سواء قدرنا أنها كراهة أو تحريم فجانبها مغلب. فكيف يطلق القول في الوسائل بالجواز؟

[فصل في بيان أن السنة جاءت بالنهي عن التشبه بالكافرين]

ففي الصحيحين [خ ٧٣٢٠/ م ٢٦٦٩] عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ اه وفي الصحيح [خ ٦٨٨٨] عن النبي قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع. فقيل يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟ اه فكل ما كان من شعار الكافرين في دينهم فلسنا منهم في شيء. قال ربنا (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) [الأنعام ١٦٠] وتالله ما فرقوا دينهم إلا بالبدع. فأصل الإحداث سنة جاهلية، نهى عنها الله ورسوله وحسم مادتها.

وكثير من البدع في تاريخ الأمة كان مأخذها من مضاهاة اليهود والنصارى ونحوهم. قال ابن كثير [البداية والنهاية ١/ ٢٢٨]: قال ابن عساكر وغيره: وقد أخذ الجعد بدعته عن بيان بن سمعان وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم زوج ابنته، وأخذها لبيد بن أعصم الساحر الذي سحر رسول الله عن يهودي باليمن، وأخذ عن الجعد الجهم بن صفوان الخزري اه فكان منشأ بدعة الجهمية والتأويل

<<  <   >  >>