للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا اه

كذلك اتخاذ الخط لتسوية الصفوف للصلاة، فمن المسلمين من يراها من أمور النوازل (مصلحة مرسلة) وليست هي كذلك! إذ تركُ النبي للخط مع يسره وإمكانه يدل على إلغائه، وعدم اعتباره. وليس كل ذلك مما حدث الداعي إليه بعد أن لم يكن. ثم فيه وجوه للمخالفة خاصة لمن تفطن لها، أقربها أنها تخالف ما كانوا يفعلون من إلزاق الكعب بالكعب، فتسوية الأقدام بالخط يكون من جهة الأصابع فينشأ عنها تفاوت الكعوب لتفاوت الأقدام طولا وقصرا .. فمن أخذ بالخط ترك ذلك، فليست هي مصلحة مرسلة ولكنها ملغاة مهملة. وكل خير في الاتباع.

فإن لم يكن لها ذكر زمن النبي ثم حدث لم تحمد المسارعة إلى الأخذ بها حتى لا نجد عنها بدا، فهي التي أسماها الأصوليون مصلحة مرسلة راجعة إلى تحقيق المناط (١)، مثل جمع المصحف، فإن المناط متحقق فيه، والقصد بالمناط المصلحة الشرعية التي ثبتت صحتها بالأدلة وهي هنا حفظ القرآن من الضياع. فالمناط دليل الإذن، أي وجود المصلحة المطلوبة شرعا في هذا الفرع (النازلة) دليل على طلب الأخذ به إذا وجد، وعدم قيام المقتضي في عهد النبي دليل على مطلق عدمِ قصد الإلغاء - وهو المانع إذا وجد - وعلى إمكانِ قصد التشريع فلا يخالف سنة التَّرك إذاً.

وينبغي أن يعلم أن أقضية النوازل (المصالح المرسلة) إنما تؤخذ عند الحاجة، فهي بمنزلة الرخصة التي ينبغي الاحتياط في العمل بها، لأنها مأذون فيها عند الحاجة المعينة، فمتى وجدت شرعت بمقدار، وإلا رجعنا إلى الأصل. وكثير من هذه الوسائل إنما احتاجتها الأمة عند ضعفها كتضمين الصناع (٢). فليست من المطلوبات


(١) - تحقيق المناط هو بيان أن الفرع مقصود التشريع بالحكم الذي وجدت علته فيه وانتفت عنه موانعه، وحقيقة المصلحة المرسلة أنها قياس انعدم فيه الأصل المقيس عليه، أخذ حكم الحادثة فيها من العلة الصحيحة.
(٢) - وكما قال ابن سعد [٨٦٨٢] حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا جعفر بن زياد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال: أول من سأل في السر شريح: فقيل له: يا أبا أمية أحدثت! قال: فقال: إن الناس أحدثوا فأحدثت اه سند جيد، وهذا ترخص لغوي كما تقدم.

<<  <   >  >>