للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحيانا لا يتخذ سنة راتبة، لأنه إنما ينتفع به أو يكمل انتفاعه به ما دام كذلك .. ولكن الناس يرون عاقبة ذلك في الفطرة كالجماع فيُسَلمون، لأنها معجلة، ولا يرون ذلك في الشرع، فتراهم يجادلون لأن الله أخر بيان العقبى إلى يوم الدين ..

والمقصود أن الله تعالى أطلع نبيه على وجوه الأعمال النافعة قدرا وأسرعها وصولا بالعبد. فاحفظ هذا فإنه ذكرى لمن كان يرجو لقاء ربه فإنما الأمر بالاتباع. والله المستعان لا حول ولا قوة إلا به.

[ج- القصد إلى تزكية العبد من اتباع الهوى اللازم للابتداع.]

ومنه منازعة الربوبية إذ الابتداع مناف للعبودية، لأن التشريع حق الرب وحده. ففي الإحداث مضاهاة للربوبية التي معناها انفراد الله ﷿ بالتشريع في وجوه القربات وما شابهها. وإنما لك من اسم ربك «الرب» أن تربي الناس بما سنه رسوله ورُبِّي به السابقون إذا أُذن لك، (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) [آل عمران ٧٨] لا بما بدا لكم حسنا. فإنك إن فعلت كنت متعبدا لله حقا باسمه الرب أنه هو الذي تفرد بالتربية وتعيينِ أبوابها .. وتأمل هذا في قول الله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) [التوبة ٣١] كانوا أربابا لما ابتدعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. كذلك المبتدع مضاهٍ ربَّه سبحانه في هذا الحد الذي هو من حدود الله، وما الأحبار والرهبان إلا مبتدعة في دين أنبيائهم.

وقد ذكروا من أسماء الله الحسنى «البديع» الذي ابتدأ الخلق من غير مثال سابق وأبدعه إبداعا، فمن ابتدع أشرك مع الله نفسه في هذا المعنى. وفي الحديث الإلهي [خ ٥٦٠٩]: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبة، وليخلقوا ذرة اه فكما امتنعت مضاهاة الله ﷿ في التصوير والخلق لأنه «الخالق» «المصور» كذلك امتنعت في الأحكام والتشريع لأنه هو «الرب» «البديع» إذ له وحده الخلق والأمر. قال ربنا (ألا له الخلق والأمر) [الأعراف ٥٤] فتفكر كيف نبه على التوحيد في الخلق والأمر الذي يتناول الأمر القدري والأمر الشرعي بتقديم لام الاختصاص والضمير بعدها، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقدم ذلك بآية التنبيه "ألا" ليُنبه على أنه سبحانه انفرد بحق الإحداث بغير مثال سابق في الخلق والأمر سبحانه

<<  <   >  >>