للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنديل بعد الوضوء ونظائره، لا يُتكأ عليه لإثبات الاستحسان عندهم، وقد عرفت الفرق بين المستحب مطلقا والسنة الموقتة ..

لكن الحجة على المخالف في ما أنكره السلف، فإن الإنكار أظهر في كون العمل محدثا، بخلاف ما استحبوه. فتدبره فإنه فصل نافع لحل ما قد يشكل من الآثار إن شاء الله.

فإن قيل: والذي ذموه قد يحتمل أن يكون عند المنكِرِ دليل خاص! قلنا: ما كان لأصحاب محمد وأصحابهم أن يتظاهروا على ترك شيء من الدين لا ينقلونه، وقد عرفت أن نقص الدين لا يعني ضياعه بل هو محفوظ وإن قل أشياعه .. فما أنكروه من التعبد إنما لأنه بدعة منكرة، وهو بيِّن في آثار تقدم ذكرها.

وإن قيل: كذلك من استحب ذلك العمل من أهل العلم لو كان عنده دليل خاص على استحبابه لرواه، فإذ لم يروه دل على أنه استحسن ذلك العمل استحسانا.

قلنا: هذا قول من لم يعرف سيرة القوم! فإنهم كانوا ينقلون السنن بالعمل كما ينقلونها بالرواية، ونقل العمل عندهم أكثر، على ما علم من تعظيمهم الحديث عن رسول الله كما تقدم. فما عملوا عرفنا أنه مما عُلِّموا (١)، وما أنكروا علمنا أنه مما لم يكن لهم به عهد.

[فصل: من تمام الاتباع تمييز الأحكام بالقول والعمل والاعتقاد]

فإن الشرع جاء بالأحكام وبحدودها، فمن حدود ما أنزل الله على رسوله ألا يسوى بين المستحب والواجب وغيرهما .. لا في العمل ولا في الاعتقاد كما لا يسوى بينها في القول أي الأمر به (٢).


(١) - انظر إعلام الموقعين الوجه الثالث والأربعين من وجوه ترجيح فتاوى الصحابة ٤/ ١٤٧
(٢) - الموافقات المسألة السادسة وما بعدها من مباحث البيان الإجمال. و" الحوادث والبدع" للطرطوشي ص ٤٥. قال ابن تيمية [المجموع ١١/ ٤٥٠]: فهذا أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به وهو أن المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت مباحات فأما إذا اتخذت واجبات أو مستحبات كان ذلك دينا لم يشرعه الله، وجعل ما ليس من الواجبات والمستحبات منها بمنزلة جعل ما ليس من المحرمات منها. إلخ ما قال و حكى الاتفاق عليه.

<<  <   >  >>