للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن خلاف السنة أن يُعتقد في النفل أنه فرض أو الفرض أنه نفل أو المباح أنه سنة .. كما تقدم في ترك الصحابة للأضحية وسجود التلاوة للبيان، أي حتى لا يعتقد الناس أن ذلك المستحب واجب. فإن السنة قد جاءت بالعمل وبنيته يؤخذان معا، لذلك كان الراسخون في العلم من أصحاب النبي يَدَعون العمل لبيان منزلته وحذرا من اعتقاد غير حكمه.

ومن هذه الجهة كان البيان واجبا على النبي للمستحبات وما شابهها وإن كان العمل في نفسه مندوبا … كذلك قد يصير فعل المستحب واجبا على العالم - والعلماء ورثة الأنبياء - إذا توهم الناس أنه بدعة مثلا، كذلك يتعين عليه تركه إذا ظن الناس أنه واجب أو خيف منه كما فعل الراسخون في العلم من أصحاب النبي لوجوب البيان من حيث الجملة.

لذلك لم يصلح أن يواظَب على المستحب بحيث يشَبه بالواجب، أو تكون مظنة إلى اعتقاد وجوبه، ولكن يفرق بينهما بالترك أحيانا للبيان.

ولا يكفي البيان بالقول دائما لأن أكثر الخلق يتعلقون بالعمل أكثر من الأمر، بل ربما تركوا الأمر الصريح من العالم لأجل الفعل إذا خالفه، لذلك عظمت في الدين أفعال العلماء، وكبرت زلة العالم.

وليس يعزب عن هذا المعنى مَنْ دون أهل العلم، ولكن كل من كان بحيث يُظن به الاقتداء كالوالد مع بنيه، والشيخ في قبيلته .. وكل من كان له نوع رياسة .. فهو راع مسؤول يوم القيامة عن رعيته، فلينظر كيف تكون أسوته فيهم، والله المستعان.

وهذا مثل الاجتماع للعقيقة صار في أزماننا سنة المولود، حتى إن من ترك جمع الناس لها، وأخذ بالعمل الأول (١) قيل: غيرت السنة!! ولا زال النبي والصحابة زمن النبوة والخلافة يولد لهم ويذبحون ولا يجمعون الناس لها، إلا ما وقع مرة أو مرتين (٢) على غير السنة الغالبة.


(١) - مذهب مالك كراهة الاجتماع لها. الاستذكار ٥/ ٣٢١.
(٢) - قال البخاري [الأدب المفرد ١٢٥٥] حدثنا محمد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا حزم قال سمعت معاوية بن قرة يقول: لما ولد لي إياس دعوت نفرا من أصحاب النبي فأطعمتهم فدعوا، فقلت: إنكم قد دعوتم فبارك الله لكم فيما دعوتم، وإني إن أدعو بدعاء فأمنوا قال: فدعوت له بدعاء كثير في دينه وعقله وكذا. قال: فإني لأتعرف فيه دعاء يومئذ اه صحيح. وهذا كان في زمان معاوية بن أبي سفيان، وليس فيه أنه كان في السابع من ميلاده.

<<  <   >  >>