للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العمل خاصة دون المعنى اللغوي الذي كان في الجاهلية.

[فصل في بيان معنى قول النبي: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" وهو أن القربات توقيف]

وهذا معنى محكم الثبوت، تواتر في الآثار السابقة في مجموع الأبواب وإن كان خبر واحد. ولو تأملت عامة الأبواب وباب الترك علمت ذلك، لأن كل ما تركوه أو أنكروه محتجين بالترك يدل على أن الأصل التوقف ليس الإذن.

قال الله تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) [الشورى ١٩] أي ينبغي أن يتوقفوا في أمر الدين حتى يعلموا إذن الله. إذ لم يقل: ما خالف دين الله أو ما نهى عنه الله. لكن النهي عن العمل قبل الإذن. فلا يتخذ العمل دينا حتى يأذن الله.

وقال الله في قواعد المحرمات المقدمة في التنزيل (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف ٣٢] كذلك لا تعملوا ما لا تعلمون، إذ التعبد لله بعمل فرع عن نسبته إلى شرعه أنه محبوب إليه سبحانه. وقوله (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) يتناول القول عليه في صفاته، والقول عليه في شريعته التي هي تفاصيل محابه سبحانه. فكما الأصل التوقف هنا، الأصل التوقف هناك. والعلم الشرعي أبدا قبل القول والعمل (١).

وقوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) [الإسراء ٣٦] لا تقف: لا تتبع ولا تقل، هما قولان صحيحان لأهل العلم. فيتناول القول في الدين والعملَ، كله منهي عنه إلا ببرهان من الله مبين. ولما ذكر الله تعالى هذه الآية في آيات أوصى العباد بها قال (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة) فكان توقف العبد عما لا يدري من الحكمة ومن العلم كما قال ابن مسعود: " فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم لا أعلم " [خ ٤٤٩٦] لذلك كان قول " لا أدري " نصف العلم كما سيأتي إن شاء الله، ومن أخطأ هذا الأصل أخطأ الحكمة.


(١) - قال أبو خيثمة [العلم ١٣٨] حدثنا معاذ نا أشعث عن الحسن قال قال رسول الله : من الصدقة أن يعلم الرجل العلم فيعمل به ويعلمه. قال الأشعث: ألا ترى أنه بدأ بالعلم قبل العمل اه

<<  <   >  >>