وقوله تعالى لنوح (فلا تسألني ما ليس لك به علم)[هود ٤٦] لا تدْعُ دعاء لا تعلم الإذن فيه. فقال نوح ﵊(رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) وهذا شأن المؤمن أبدا.
وقال إبراهيم ﵊(وأرنا مناسكنا)[البقرة ١٢٧] فسأل البيان وتوقف. ثم أمرنا الله أن نتبعه فقال سبحانه (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) أوردها سفاهة من العمل. فخلاف هذا المنهج سفه بين. فالآية تضمنت شريعة وهي مناسك الحج، ومنهجا وهو التوقف حتى يأتي الشرع.
وقال الله تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)[يونس ١٥] ونظائرها كثيرة تخبر أن شأن النبي اتباع الوحي لا التصرف من تلقاء نفسه.
ومنها قول الله تعالى (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا)[الأحزب ٤٦] فما دعا ولا قام بالأمر إلا أن أذن الله له.
وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)[الحجرات ١] أمر للمؤمنين صريح بالتوقف عن كل عمل حتى يأتي الإذن ..
وهذا كما أخبر الله عن ملائكته أنهم (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)[الأنبياء ٢٧ - ٢٨] فهذا شأن عباد الله الصالحين في السماء والأرض .. بل وفي الآخرة كما قال تعالى جَده (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)[النبأ ٣٨].
وقال النبي ﷺ:" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"[م ١٧١٨] فيُتوقف في العمل حتى يكون من أمرنا، لأن هذا تعليل للحكم العدمي بالوصف العدمي، فقوله:"رد" حكم بعدم القبول، تعلق بوصف عدمي وهو ألا يكون من أمرنا. فمن أراد إثبات عمل عليه أن يتوقف حتى يجده في أمرنا وهو السنة الأمر العتيق. ومثله حديث:"كل بدعة ضلالة" أي كل ما لم يكن من سنة النبي ﷺ ضلالة، وسبيل العمل