للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الصوم (١). ومن أمحل المحال أن يحض النبي على الاحتفال ثم لا يفعله ولا أحد من أصحابه! فمن لم يسعه ما وسع السابقين الأولين فلا وسع الله عليه، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

وتأمل السبب الذي أشكل على من لم ير في العمل بالبدع مخالَفة للسنن، أنه يقول: هو عمل أعمله في ساعة فراغ من يومي، فأي سنة تركتُ؟! ولو نظر في ما تقدم لعلم أن لله ﷿ في كل ساعة من دهره سنة يُندب العمل بها. فمن تركها فله وجهان:

إما أن يشغل وقتها بسنة مباحة رخص الله له فيها، فهذا مباح من حيث الجملة لا إشكال فيه.

وإما أن ينشغل بعبادة، فلا يجوز إلا بسنة، إذ قد أحصى الشرع وجوه القربات، وعَرَضَها عليك في تلك الساعة، فإذا استبدلتها بغيرها وقعت في المخالفة، وضيعت السنة. فالسنن المستحبة يجوز أن تُترك، لكن لا يجوز أن تستبدل بغيرها لأن الاستبدال هو المخالفة عينها.

[فصل في بيان أن السنة جاءت بضبط أسامي الشريعة لمسمياتها]

ذلك أن من تمام النعمة أن جاءت السنة بمعان بينة وألفاظ مباركة فيها العصمة والدلالة الكافية على مراد الله ورسوله، لا ينبغي استبدالها. وإن معرفتها من تمام معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله. ومراعاتها من تمام الاتباع بإحسان، والله المستعان.

ومن حكمة الله تعالى في اللسان أن كان للكَلِمِ أمران: دلالة على المعنى، وحال في النفس تقترن به. لذلك كان النبي يغير الأسماء القبيحة (٢) مثل قول سعيد بن المسيب: فما زالت فينا الحزونة بعد اه فإذا ثبت أثر الاسم على الرجل وآله فكيف بما يقوم في نفس السامع والمتعلم. لذلك كان النبي يتعاهد أصحابه بضبط


(١) - ولقد قيل لأحدهم وذكر هذا الحديث حديث الاثنين: إن المولد العامَ وافق السبت، فهل الحديث في فضيلة الاثنين أو المولد .. فانقطع!
(٢) - زاد المعاد [٢/ ٣٣٤] فصل: في هديه في الأسماء والكنى.

<<  <   >  >>