للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأسامي الشرعية حفظا للمعاني العلمية والأحوال النفسية التي تصاحبها ..

والبيان في القرآن والحديث - والألقاب منه خاصة - قد نزل منزله بحكمة على أحسن ما يكون البيان العربي .. تأمل مثلا حديث حذيفة عن النبي قال: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء. حتى تصير على قلبين: على أبيض مثلِ الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض. والآخر أسود مُربادًّا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه [م ٣٨٦] فاختار النبي للصورة الحسنة ألفاظا سهلة مشرقة فقال: "أبيض مثل الصفا" لتحبها النفوس. ولما أن أراد أن يزهد الأمة في القلب المنكوس أتى بألفاظ خشنة تزعج السامع وتكمل المقصود من النفور، فقال: "أسود مربادا" أي في لونه رُبدة وكدرة بين السواد والغبرة، وقال: "كالكوز مجخيا" وهو الكأس المقلوب، لكن كلمة الكأس المقلوب باردة لا يحصل منها ما يكون مع التي نطق بها خير مبين . لذلك لم تسغ الرواية بالمعنى إلا لمن له في العربية ذوق سليم (١).

ومن طرائق شياطين الأرض في الإضلال تغيير الأسماء لتغيير المعاني .. فهي عندهم حرب قائمة. مثل لفظ "الإرهاب" و"التشدد" .. طاروا بمثل هذه الألفاظ يرددونها في مناسبات مقصودة ليسبق إلى أذهان الغافلين أن ذلك معناها، حتى ظنوا أن التزام السنة تشدد، وأن الجهاد إرهاب .. ثم سموا المحرمات بأسماء باردة ليسهل على النفوس تعاطيها، كما قال النبي : "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" [د ٣٦٩٠] وقد وقع كل ذلك والله المستعان، سموا الخمر نبيذا وأسماء عجمية مَستُورة .. ودعَوُا الربا فوائد، وسموا الكافر مخالفا وأجنبيا، وأهل الذمة مواطنين، وسموا آيات الله كالزلازل المنذرة والخسوف ظواهر طبيعية، والمنكرات فنونا جميلة .. لتتغير المعاني النفسية التي وضع لها اللفظ وتستحيل مقاصدها الشرعية ..


(١) - قال الأسود بن يزيد النخعي عن عائشة في صلاة رسول الله بالليل: فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب، ولا والله ما قالت قام. [م ١٧٦٢]

<<  <   >  >>