للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتعلم حدوده من مظانها، وإنما الخلاف في تعيين الدليل القاضي بالإذن الناقل عن الأصل، وقد عرفناه، وسيأتي بسطه.

والذي يهمنا هنا فائدتان على طريقة الأصوليين: أولاهما أن المتمسك به ليس متبعا للمتشابه، فحيث تعارضت الأدلة ظاهرا واشتبه حُكمُ المسألة المتنازع فيها على من طلب صحة التقرب إلى الله، كان البقاء على الأصل هو الأسلم والأحكم. لأن تحريم البدع أصل محكم، فالمخلص يتبع الواضح، والخروج من الخلاف مستحب. وفي العمل العتيق سعة.

ثانيهما أن من أثبت شرعية عبادة فزعم أنها مطلوبة للشرع طولب بالدليل. فالأصل هنا مع النافي القائل بالتوقف.

[فصل في بيان أن المطلق في صفات القربات متشابه]

والقصد دلالته على الكيف ونحوه لا الأشخاص لأن في النص نظرين: عموم في الأشخاص، وهذا محكم. وشبهة إطلاق في الأحوال أو الصفات. وإنما أشبه المطلق في الصيغة، لكن دورانه - قبل البيان بالعمل - بين حقيقة شرعية وأخرى لغوية جعله محتاجا إلى البيان.

مثاله قول الله (خذ من أموالهم صدقة) [التوبة ١٠٤] ففي الآية عموم بالإضافة في الأموال وعموم بالضمير المتصل في الأعيان، وهذان محكمان. فحين يمثل الأصوليون بالآية للمجمل ففي لفظ " صدقة " الذي صيغته مطلقة، لكن دلالته الشرعية على الكيف مجملة بَيَّنَها العمل.

كذلك قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت) [آل عمران ٩٧] فالمصدر المشتق "حج" مطلق. وقوله تعالى (وأقيموا الصلاة) [المزمل ١٨] الفعل مطلق. وآية الوضوء [المائدة ٦] أطلقت مسح الرِّجلين في قراءة الجر فكان مجملا بينته السنة بالمسح على الخفين لا القدمين مكشوفتين. وهكذا النماذج التي ذكروا للمجمل صيغها صيغ المطلق، لكن أريدَ بذلك وصف مقيد، والمطلق مع إرادة الخصوص من المتشابه الذي لا يحتج به إلا تبعا. فهذا يثمر ألا احتجاج بالمطلقات في صفة

<<  <   >  >>