للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعبد للإجمال، وهذا النظر هو على طريقة الأصوليين أنفسهم (١).

وثَم وجه آخر نحوه، أن نقول في الظاهر الذي صيغته صيغة المطلق إما ظاهر يحتمل التأويل أي يحتمل حقيقتين شرعية ولغوية، أو ظاهر يحتمل التقييد بمعنى أنه مطلق.

فإن قلنا بالأول - وهو المتعين - لم يكن مطلقا لما تقدم أنه يحمل على الحقيقة الشرعية المبيَّنة بالعمل.

وإن قلنا بالثاني - تنزلا - لم يدل على استحسان عمل لم يكن عند الصحابة، وذلك من وجوه:

- الأول: أنه معارَض بدليل خاص أو مقيد وهو الترك، فيتعين تقييده به، أو الاستدلال به على أن المتروك غير داخل في عموم اللفظ أو إطلاقه.

- الثاني: أن هذه الصورة المتنازع فيها لو تناولها اللفظ لكان الصحابة مع النبي وبعده أولى الناس بالعلم والعمل بها. فتركهم لذلك الاستدلال موجب للاحتمال على أقل تقدير، وما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال. إذ كل معنى حادث لم يفهموه فدليله متشابه، لأن المحكم - وهو واضح المعنى - واضح عندهم بالأَولى. وكل صاحب بدعة سيجد لدعواه متمسَّكا، وما هو إلا شبهة عموم أو إطلاق. فتعين أن العموم أو الإطلاق الذي لم يعملوا به غير مراد وأنه متشابه.

- الثالث: أن المطلق إذا وقع العمل به على وجه لم يكن حجة في غيره (٢) فليس هو الظاهر الذي يحتج به بعد التقييد أو التخصيص على لسان الأصوليين.

والمتشابه - على تقريب طريقتهم - نوعان: متشابه لذاته أي محتمل في لفظه كالقروء، وهذا ونحوه وإن مثلوا به للمجمل ليس كما قالوا لأن اللفظ لا يدل بمفرده ولكن سياقه بيان لمعناه، وإنما الشأن في الثاني، وهو:


(١) - اللفظ المحتمل حقيقة شرعية وأخرى لغوية عند من يُعمِل هذا التقسيم مجمل من وجه ظاهر من وجه آخر، فقبل بيانه بالعمل مجمل للجهل بالكيف المقصود، وبعد بيان الحقيقة الشرعية هو ظاهر فيها، مثل لفظ الصلاة. ثم هو بعدُ ليس عاما ولا مطلقا في الكيف لا قبل البيان ولا بعده، بل هو مقيد أو خاص بالوجه الذي جرى عليه العمل.
(٢) - الموافقات المسألة الثانية عشرة من أحكام الأدلة على الجملة.

<<  <   >  >>