للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل في بيان قول النبي: إنه لا يأتي الخير بالشر]

هذا من جوامع الكلم [خ ١٣٩٦/ م ٢٤٧٠]، فالسنة لا ينتج عنها إلا الخير، والبدعة لا تأتي إلا بالشر، فهذا الحديث جامع طردا وعكسا يدل - بمفهومه - على أن الشر لا يأتي إلا بالشر. كما نبه قول الله تعالى (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون) [الأعراف ٥٨] فكذلك البدع لا ينتج عنها إلا الشر والضلال.

لكن قد يعرض بعد البدعة مصلحة يُظن أنها أثمرتها، والنبي أخبرنا أن البدع كلها شر! فاعلم أن كل بدعة ضلالة وإن وقع بعدها ما هو مصلحة، لذلك أنكر السلف كل بدعة مطلقا. لذلك قال الأوزاعي: "بلغني أن من ابتدع بدعة خلاه الشيطان والعبادة وألقى عليه الخشوع والبكاء لكي يصطاد به"، فالخشوع والبكاء ثمرة مطلوبة شرعا لم تَجعل البدعةَ حسنةً، بل كانت فتنة يخشى معها تزيين العمل الباطل. وقد اتفق الناس على أن الأذان للعيدين والجنازة لا يستحب وإن حصل القصد المطلوب في تَيْنِكَ العبادتين وهو اجتماع الناس.

كذلك الذي يتعاهد القرآن راكعا أو ساجدا، فإنه وإن حصل له المقصود وهو الاستذكار فالعمل باطل. ومنه رد العلماء على الوضاعين أحاديثهم وإن أثمرت في الناس رقة مطلوبة. ومنه قراءة الحائض القرآنَ للحفظ، فإنها وإن تم لها المقصود المطلوب شرعا أثمت ولم يكن ما تسببت به عملا صالحا. كذلك من تصدى للفتوى وليس لها أهلا، فإنه وإن نطق بالحق أثم وعمله غير صالح. وقريب منه قول رسول الله : إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر اه [خ ٢٨٩٧] فإجراء المصلحة على يده وهي النكاية في العدو لا يعني أنه من الله بمنزلة. ومنه قول العلماء أن الكرامة ليست دليلا على استقامة من جرت على يده ..

وهي مصالح لا تنفع صاحبها في دينه، وإن توهم ذلك. وهذا سارٍ في القربات والعادات كآكل الخنزير للشِبَع، المسبب مباح بخلاف السبب وهلم جرا (١) ..


(١) - الموافقات المسألة الحادية عشرة من مباحث السبب من أحكام الوضع. قال ابن تيمية [المجموع ٢٢/ ٣٠٥]: والأحوال التي تحصل عن أعمال فيها مخالفة السنة أحوال غير محمودة وإن كان فيها مكاشفات وفيها تأثيرات. فمن كان خبيرا بهذا الباب علم أن الأحوال الحاصلة عن عبادات غير مشروعة كالأموال المكسوبة بطريق غير شرعي والملك الحاصل بطريق غير شرعي، فإن لم يتدارك الله عبده بتوبة يتبع بها الطريق الشرعية وإلا كانت تلك الأمور سببا لضرر يحصل له اه

<<  <   >  >>