للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن عرف الفرق بين الإذن الشرعي والإذن القدري، والفرق بين السبب الحقيق وبين ما احتف به أدرك هذا، فإن التعاهد سبب منتج للحفظ قدرا، ثم يختلف حكمه على حسب العمل. فالذي يتعاهد القرآن راكعا قد يحصل له الاستذكار بسبب التعاهد لأنه وضع سببا له قدرا، وإنما المنع شرعا من صورة العمل. كذلك في العادات، فإن حصول الولد نتج عن إلقاء البُضع في الرحم وهو سببه، ثم يكون حكمه شرعا على حسب ما قارن السبب من نكاح أو سفاح. فإذا أذن الله تعالى بحكمته في حصول الولد من الزنا قدرا لم يعنِ أنه يأذن فيه شرعا. فاحفظ الفرق بين المسبَّب في الشرع والمسبب في القدر، فإن الشرع يجري على المصالح المرضية، والقدر يجري على الحِكَم المخفية.

والله تعالى يمتحن العباد بتلك المتشابهات كما نبه الأوزاعي، فَيُضِلُّ الله من يشاء ويهدي من يشاء ولله الحكمة البالغة. كحال قريش كانت تستدل بحادثة الفيل - وهي نتيجة في الواقع - على أن دينها حق حتى كانت تؤرخ بها .. وتستدل على صحة دعاء الأصنام بإجابة الدعاء، فكان الرب الحكيم يجري عليهم أرزاقهم امتحانا، ولو لم يجربوا جريان الرزق ما ثبتوا، فيستدلون بالنتيجة الصحيحة على صحة السبب الباطل .. فيزدادون اجتهادا في بدعتهم، ويزدادون من الله بعدا. لا يُحَصلون التقوى والولاية المترتبة على العبادة الصحيحة، وهو المقصود الأصلي من العبادة، وإن حصل لهم عاجل حظ وفتنةٌ مريبةٌ. نسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة.

والمقصود أنه إذا اتفق أن حصل على إثر بدعة مصلحةٌ مطلوبة شرعا، مثل حفظ القرآن، فذلك لا يعني أن البدعة مشروعة مرضية.

<<  <   >  >>